24‏/08‏/2015

معاذ عبدالمجيد حميد الكبيسي : الهندسة البيئية (رؤية تربوية)






الهندسة البيئية
(رؤية تربوية)




المهندس

معاذ عبدالمجيد حميد الكبيسي




(محاضرة مقدمة إلى ندوة ة التوعية البيئية على قاعة مبنى الإعداد والتدريب)
3/10/2010-5/4/2010

 


مقدمة :

يعيش الإنسان منذ أن خلقه الله سبحانه وتعالى في بيئته يستمد منها قوته وأسباب نموه الفكري و المادي والأخلاقي والاجتماعي والروحي  .والإنسان بما وهبه الله سبحانه وتعالى من خصائص بيولوجية تميزه عن باقي اﻟﻤﺨلوقات يعيش باستمرار في مستوى طاقة احتمال بيئته، بينما باقي اﻟﻤﺨلوقات تعيش دون مستوى طاقة احتمال بيئاتها . ولقد أدى التقدم الكبير الذي أحرزه الإنسان في مجالات العلم والتكنولوجيا إلى أحداث إخلال بل تدهور في مكونات البيئة..  بحيث أصبح خطر العيش فوق طاقة احتمال البيئة متوقعا، بل لعله واقعا في بعض اﻟﻤﺠالات وبعض الأقطار، إذ بدأنا نعيش أو نسمع عن  »مشكلة الغذاء » « ومشكلة الطاقة » « ومشكلة السكان  « » ومشكلة التلوث « وهي مشكلات ناجمة عن النشاطات البشرية في البيئة . وبدأ الإنسان يقلق على مستقبل حياته المريحة، واتجه نحو قضايا البيئة بهدف التغلب على مشكلاتها والتخطيط لمواجهة مستقبلها، غير أن هذا التوجه اتخذ الطابع التخصصي البحت، مما أدى إلى عزلة غير اﻟﻤﺨتص..  وأصبح الكثير من الناس يسمعون عن أخطار لا يفهمونها ولا يعرفون ما إذا كان بإمكانهم أن يسهموا في حلها .

مفهوم البيئة :

ويمكن أن نعرف البيئة بأنها أجمالي الظروف الخارجية التي تؤثر في حياة الكائن الحي ونموه وبقائه . ومعلوم أن البيئة الطبيعية تعتمد على ثلاث عناصر رئيسة هي الهواء والماء والأرض وتعتبر من أساسيات الحياة . ويتميز النظام البيئي بالتوازن بين عناصره ويمكن للنظام البيئي أن يحافظ على هذا التوازن ولكن ضمن حدود معينة قابلة للتأثر. ونتيجة لحدوث الثورة الصناعية وتسارع التطور في مختلف مجالات الحياة واستخدام المكننة وصناعة المواد الكيماوية والمواد المشعة .. وكذلك الزيادة في استخدام مصادر توليد الطاقة والاستنزاف الجائر للموارد الطبيعية وحدوث الكوارث نتيجة النشاط الإنساني، فقد أدى ذلك إلى حدوث خلل في التوازن البيئي مما نتج عنه ظهور العديد من المشاكل البيئية المعقدة .

التربية البيئية:

ومن أجل صنع الفرد المتمكن علميا والمتنور بيئيا والمتعاون مع الآخرين اتجه عالم اليوم إلى الأخذ بمفهوم التربية البيئية ، حيث تعددت تعاريف " التربية البيئية " تبعا لتعدد وتنوع وجهات النظر حولها، ووفقا لمفهوم التربية وأهدافها من جهة ومفهوم البيئة من جهة أخرى، فقد يبدو لبعض المربين أن دراسة البيئة بجانبيها الحيوي والطبيعي فقط تحقق تربية بيئية، في حين يرى البعض أن التربية البيئية تتعدى ذلك المفهوم الضيق للبيئة، وأنها عملية أكثر عمقا وشمولا، ويرون أنها عملية تربوية تهدف إلى تكوين القيم والاتجاهات والمهارات والمدركات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات المعقدة التي تربط الإنسان وحضارته بمحيطه الحيوي الفيزيائي، وتوضح حتمية المحافظة على مصادر البيئة الطبيعية، وضرورة استغلالها استغلالا رشيدا  لصالح الإنسان حفاظا على حياته الكريمة ورفع مستويات معيشته.

وتعرف التربية البيئية "إجرائيا " بأنها عملية تربوية تستهدف تنمية الوعي لدى سكان العالم, وإثارة اهتمامهم نحو البيئة، بمعناها الشامل والمشاركة المتعلقة بها، وذلك بتزويدهم بالمعارف، وتنمية ميولهم واتجاهاتهم ومهاراتهم للعمل فرادى وجماعات لحل المشكلات البيئية الحالية ، وتجنب حدوث مشكلات بيئية جديدة " وتعرفها منى جاد بأنها تزويد الطلاب بالمعلومات والحقائق عن العادات والتقاليد الإيجابية البيئية وإكسابهم الاتجاهات والقيم البيئية وتنمية مهارات اجتماعية يترتب على ذلك شخصية إيجابية متوافقة مع البيئة، أي أنها تمكن الإنسان من التعامل بصورة سوية وواعية مع النظم البيئية المحيطة به من خلال فهم ما تتميز به البيئة من طبيعة معقدة نتيجة للتفاعل بين جوانبها البيولوجية والطبيعية والاجتماعية والثقافية .


ففي المجال التعليمي أذا هنالك اختصاصات علمية شتى ومراحل دراسية متدرجة تلتقي عند أهداف التربية البيئية . ففي مجال العلوم الهندسية  تعد هندسة البيئة هي أحدى التخصصات الهندسية المثيرة، التي يدرس خلالها الطالب برامجاً متميزة لإعداده بهدف استخدام الطرق الهندسية والرياضية والعلمية لتصميم أنظمة تساعد على حل مشاكل البيئة، والتخفيف من أضرار التلوث، والرصد الدائم والتحكم المستمر في مراكز تلوث الهواء والأرض والماء، إلى جانب الطرق العملية لحماية الصحة والأمان في المنشآت .

وبعد ان تفاقمت مشاكل البيئة وازدادت فيها عناصر التلوث وتحذير علماء البيئة من مغبة التمادي في تلويث البيئة ، بدء المتخصصون البيئيون بجمع المعلومات البيئة لوضع الحلول الهندسية لمجابهة أزمة التلوث البيئي التي بلغت ذروتها في جوانب عديدة،. فتلوث عناصر البيئة : الماء، الهواء، التربة يمكن أن يكون فيزيائيا أو كيمائيا او حياتيا، وعليه فأن أي إجراء هندسي لتعديل البيئة وتقليل الملوثات سيحتاج إلى معلومات أساسية في الفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة، إضافة إلى المعلومات الهندسية التقليدية والضرورية لتحويل هذه المعلومات الأساسية إلى حلول هندسية لكون هذا العلم  له أهمية خاصة عند المهندسين.

الهندسة البيئية:

إ ن الهندسة البيئية قد أعطيت تعريفها و اسمها المحدد منذ عام 1900 ميلادي كفرع من الهندسة المدنية . و هي فقد مورست من قبل المهندسين المدنيين منذ عام 1850 ميلادي عندما أصبح للصحة العامة معاهد خاصة بها. كانت مشاريع الصرف الصحي و التزود بالمياه و حل مشاكلها الهيدروليكية من النشاطات الأولى للهندسة البيئية. انتشرت معالجة المياه بشكل سريع حوالي 1900 ميلادي بينما معالجة المياه الملوثة تأخرت حتى أصبح لها معاهدها الخاصة بهذا العلم .

و منذ عام 1960 أصبح مجال التزود بالمياه و إدارة المياه الملوثة و معالجتها أكثر انتشارا" وحددت كقضايا بيئية بينما بقى تعريفها تحت نطاق الصحة العامة . منذ أن بدأ الناس التمييز و الإدراك بأن صحتهم و بقاءهم مرتبط بالحفاظ على البيئة المحيطة بهم، فقد لجؤا إلى تطبيق المبادئ و الأفكار العلمية لتحسين هذه البيئة و حمايتها. و على سبيل المثال، فإن الرومان قاموا بتشييد الأقنية لنقل المياه و مواجهة الجفاف و قاموا بتأمين المياه الصحيّة النظيفة للعاصمة روما. و في القرن الخامس عشر ميلادي قامت مقاطعة بافاريا بسن قوانين تخص التزود بالمياه. بدأت الهندسة البيئية الحديثة في لندن عند منتصف القرن التاسع عشر ميلادي عندما أدركوا أنّ صب مياه الصرف الصحي إلى البحيرات و الأنهار دون معالجة كان السبب بانتشار الأمراض الوبائية مثل الكوليرا.

إن الاستهلاك الجائر للموارد بكل أنواعها سبب التدهور البيئي الشديد. فمثلا" استخدام المبيد الحشري DDT بعد الحرب العالمية للقضاء على الآفات الحشرية ساعد في تحسن إنتاج المنتجات الزراعية و في التغلب على الجوع و تم التحكم بانتشار الملاريا . و لكنه بنفس الوقت قضى على مجموعات هائلة من الأصناف الحية. إن قصة الـ DDT تعتبر السبب في ولادة التحرك الجاد للتطوير البيئي الحديث مما أنتج لاحقا" مجال الهندسة البيئية .

ونستطيع أن نعرّف الهندسة البيئية بأنها تطبيق المبادئ العلمية و الهندسية من أجل تحسين البيئة (مصادر الهواء و الماء و التربة)، و لتأمين المياه الصحيّة و الهواء النظيف و سلامة التربة من أجل السكن البشري و من أجل الحفاظ على حياة الكائنات الأخرى و كذلك لمعالجة المواقع الملوثة. إن الهندسة البيئية تفيد بشكل أساسي بتطوير المنشآت من أجل حماية البيئة و من أجل الإدارة المناسبة للمصادر الطبيعية. إن مهندس البيئة يولي اهتماما" خاصا" للتداخلات البيولوجية و الكيميائية و الفيزيائية بين الهواء و الأرض و الماء و يبحث عن حلول تكنولوجية متكاملة من اجل ادارة الموارد و إعادة تدوير المخلفات و المصادر المتنوعة بعيدا" عن التدهور البيئي و نشر التلوث بكافة أشكاله . إن مهمة الهندسة البيئية تدور حول الحماية (من التحلل الإضافي) والحفظ (الوضع الحالي) و التمكين (البيئة) .


وبناء على ذلك، فإن الهندسة البيئية و علومها تمثل التطبيق المباشر للعلوم الفيزيائية و الرياضية لتأمين الحلول لمشاكل كوكبنا. إن العلماء و الباحثين المهتمين بالبيئة بالإضافة إلى مهندسي البيئة يعملون لإيجاد طرق جديدة لحل المشاكل الموجودة في البيئة و لذلك تتنوع أعمالهم و عادة ما تشمل: - إدارة الملوثات - التحكم بالمواد السامة - التزود بمياه الشرب - إدارة مياه العواصف المطرية - التخلص الآمن من الملوثات الصلبة - الحفاظ على الصحة العامة - إدارة الأراضي - الحماية من الإشعاعات - السلامة الصناعية - التحكم بنوعية الهواء و تلوثه - معالجة المياه الملوثة المنزلية و الصناعية - حماية المصادر المائية (مسطحات – بحيرات – مياه جوفية ...الخ) كما أن الهندسة البيئية تشمل مدى واسع من الأبحاث و الدراسات و الاختصاصات و التطبيقات في مختلف المجالات. الغرض من الهندسة البيئية: ربما تكون الملوثات كيميائية أو بيولوجية أو حرارية أو إشعاعية أو حتى ميكانيكية. و لذلك فإن الهندسة البيئية تمتد إلى عدة اختصاصات منها هندسة التصنيع و الكيمياء البيئية و الهندسة الصحية و إدارة المواد الملوثة و تخفيضها كما تشمل منع التلوث و تنظيف المناطق المصابة.

واجبات المهندس البيئي:

 و مما سبق نستنتج أن الهندسة البيئية هي عبارة تركيب لعدة علوم و مبادئ هندسية اتحدت مع بعضها لتشكل الأساس لهذا الاختصاص و نذكر منها:
- الهندسة المدنية - الهندسة الكيميائية - الصحة العامة - الهندسة الميكانيكية - الكيمياء - علم الأحياء - علم الجيولوجيا - علم البيئة - التنمية المستدامة ،يمكن القول أن المواضيع العامة للهندسة البيئية تتمحور حول فهم البيئة الطبيعية و البيئة الإنسانية و فهم آلية عملها وفهم كيفية وقوع الأضرار و البحث في الأخطار الناجمة عن التلوث البيئي. فمهندس البيئة يراقب البيئة و يستكشف الأساليب اللازمة للمحافظة عليها و تحسينها بالإضافة إلى تصميم و تشغيل و إدارة المنشآت و الأنظمة التي تحميها. من الأمثلة عن الأعمال التي ينجزها مهندس البيئة نذكر :

1- إدارة مياه العواصف المطرية في المدن لحماية البيئة المائية و تأمين مصرف للمياه الفائضة مع التحكم بالفيضانات.
2- التصميم الجمالي للأراضي الرطبة كجزء متكامل مع البيئة أكثر منه لغاية كونها منشأة لمعالجة و تحسن المياه الملوثة.
 3- تصميم محطات و منشآت معالجة المياه الملوثة مع إعادة استخدام المياه الملوثة المعالجة في شحن المياه الجوفية و في الاستخدامات الزراعية وغير ذلك من الاستخدامات الشائعة.
4- اختيار المكان المناسب لسدود و بحيرات تجميع المياه المطرية و غيرها من أجل حماية الأنظمة البيئية المائية.
5- إدارة و معالجة المياه السطحية و المياه الملوثة الناجمة عن النشاطات البشرية المختلفة.
6- منع تلوث التربة و الهواء و الحفاظ على نوعيتها الجيدة.
 7- المساعدة في الحفاظ على الحياة البرية و الأنظمة البيئية إجمالا".
 8- القيام بالأبحاث البيئية العلمية من أجل تحديد الملوثات و تصنيفها و اختراع وسائل معالجتها و التخلص الآمن منها.
9- المساهمة الفعالة في تنظيم التشريعات البيئية لمنع التلوث و منع أسباب التدهور البيئي العالمي مثل ثقب الأوزون و الانحباس الحراري.

هناك بعض الاختصاصات الأخرى التي تنظوي تحت هندسة البيئة مثل السلامة الصناعية، علم المحيطات، الملوثات الخطرة، التحكم بالهواء، التلوث بالإشعاعي و إدارة النفايات الصلبة.وهكذا فإن مهندس البيئة ربما تكون له صلة بالعمل مع مجموعات إدارة البناء و الصحة العامة ضمن المدن، كما يلعب دورا بوضع السياسات البيئية.علاوة على  إن الهندسة البيئية تعمل على تأمين بيانات شاملة و إحصاءات و تقارير عن مختلف التطبيقات الصناعية.

وعليه يمكن القول إنه غالبا ما تتحدد واجبات المهندس البيئي بالأمور الآتية:
 - تقدير و تخمين الشروط البيئية للمشاريع .
- تطبيق العلوم و المبادئ الهندسية لتقدير و تقييم منطقة ما .
 - تحديد المقدرة الزراعية.
- تحديد التأثيرات الاجتماعية و البيئية لمشاريع النقل.
 - تطوير الإجراءات المخففة لأي ضرر محتمل ضمن المشاريع حفاظا" على السلامة .
- تأمين مصادر المياه المناسبة للاستعمالات الزراعية - تحديد مواقع وجود مصادر مياه الشرب.
 - تصميم و تصنيع وسائل الاحتراق الصديقة للبيئة.
 - جمع البيانات و المساعدة بالحلول الصناعية و تطوير عملية الإنتاج الغير مؤذية للبيئة .
- تطوير وسائل قياس التلوث الهوائي و إيجاد الحلول العملية للتحكم بالتلوث الهوائي .
- تحسين وسائل التحكم بالضجة المزعجة.
 - العمل مع مجموعات الصحة البيئية لوضع الاشتراطات البيئية .




المصادر :


1.اودين اولمان   ،1985،التربية البيئية مفاهيمها وانشطتها; ترجمة منى يونس بحري; بغداد:مطبعة جامعة بغداد ، بغداد، العراق .


2. الحمد ، رشيد،و  صباريني، محمد سعيد ،1978، البيئة ومشكلاتها، سلسلة كتب عالم المعرفة 22، 1٩٢٣ ١٩٩٠  ،المجلس الوطني للثقافة والعلوم والآداب ،الكويت.

3.صلاح، عجاج المحسن، 2005، التربية البيئية ،وزارة التربية. التعليم،القاهرة، مصر.


4.الغزو فيصل ،2010،الهندسة البيئة، منشورات وزارة الثقافة ،عمان، الأردن.
محمود، طارق احمد ،1990،علم وتكنولوجيا البيئة، مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية،جامعة الموصل، العراق .

4.المديرية العامة للدفاع الوطني، أدارة الكوارث،2005، البيئة والإنسان ،عمان، الاردن.



المهندس

معاذ عبدالمجيد حميد الكبيسي
(مهندس ميكانيك الابنية المدرسية/المديرية العامة لتربية الأنبار/وزارة التربية)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق