06‏/11‏/2009

د.عبدالمجيد حميد ثامر الكبيسي: الظاهرة السكانية والمشكلة السكانية






  د.عبدالمجيد حميد ثامر الكبيسي:
                        الظاهرة السكانية والمشكلة السكانية


بسم الله الرحمن الرحيم


{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿155﴾ } (البقرة،155)
صدق الله العظيم



الظاهرة والمشكلة:
تنتج الظاهرة من تراكم حدث معين ،أو تكراره بانتظام । والظاهرة مصطلح حيادي بالأساس ، فقد تكون سلبية وقد تكون ايجابية بحسب وجهة نظر المراقب .

في المجال الأجتماعي مثلا: تعرف الظاهرة الاجتماعية بأنها اساليب للتفكير وقوالب العمل الملزمة للآفراد ،او هي النظم الأجتماعية والقواعد والأتجاهات العامة التي يشترك بأتباعها افراد المجتمع كأساس لتنظيم حياتهم العامة وتنسيق علاقاتهم.

وتعد الظاهرة نسبية بحكم ظروف انتاجها وظروف التحكم بها ، فما يمكن تصنيفه كظاهرة اجتماعية مقبولة في مجتمع ما قد تكون مرفوضة في غيره .

وقد قرر ابن خلدون بأن دراسة ظواهر الاجتماع لابد فيه من إخضاعها للقوانين، باحثا عن مدى الارتباط بين الأسباب والمسببات، ولم يكتف بالوصف وعرض الوقائع وبيان ما هي عليه، وإنما اتجه اتجاهاً جديداً في بحوثه الاجتماعية، جعله يعلن بصراحة أن التطور هو سنة الحياة الاجتماعية، وذلك لأن الظواهر الاجتماعية غير قابلة للركود والدوام على حالة واحدة، ومن ثَمّ كانت الأنظمة الاجتماعية متباينة حسب المكان والزمان.(المقهوي،2009: ص1)

اما المشكلة فأنها قضية غامضة- موقف متأزم- تتطلب الحل ، فالمشكلة حالة يشعر فيها الفرد بعدم التأكد والحيرة أوالجهل ويحمل مصطلح المشكلة حكما قيميا سلبيا من حيث تأثيره على افراد المجتمع تأثيرا غير مرغوب فيه .

ولكي يكون الموقف مشكلة لابد من توافر ثلاثة عناصر :

● هدف يسعى اليه .
● صعوبة تحول دون تحقيق الهدف .

● رغبة في التغلّب على الصعوبة عن طريق نشاط معين يقوم به الأفراد .
( الكبيسي,2006:ص67)

ان كل ظاهرة ليست بالضرورة مشكلة ، ولكن كل مشكلة هي ظاهرة . فالمشكلة الاجتماعية هي ظاهرة اجتماعية عندما يبرزها تكرارها عن الاطار الطبيعي لوقوعها في المجتمع من ناحية ، وارتباطها بالمعايير والقيم الاجتماعية والاخلاقية والثقافية السائدة من ناحية اخرى.


الظاهرة السكانية والمشكلة السكانية :

في كل الأحوال,عندما نحاول وصف الحقائق الاساسية حول ظاهرة « السكان » فإننا نواجه مجموعة متشابكة من العلاقات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي توجّه المجتمع كافة, ومنها تلك الروابط القائمة بين الفرد والمجتمع, ففي الإمكان تناول الحدث نفسه من زاوية الجزء - الفرد- أو من زاوية الكل - المجتمع- اذ يشكل التفاعل بينهما جانبا متميزا للظواهر السكانية। (اسكوا,2007أ:ص7)




ان الظاهرة السكانية تبقى ظاهرة . ولكنها تتحول الى مشكلة عندما تختل التوازنات، فالمشكلة السكانية تعبيرعن خلل وانعدام التوازن بين السكان والموارد، ينجم عنه تدن في مستوى رفاهية الافراد والخدمات المقدمّة اليهم في الأطر التنموية وغيرها .(المركز الديموغرافي،1978 : ص4)


" ومع ظهور مصطلح المشكلة السكانية ظهرت تعابير مختلفة تقيس العلاقة بين السكان والموارد هي : الافتقار السكاني، الاكتظاظ السكاني، أنسب السكان، حيث يعبر الافتقار السكاني والاكتظاظ السكاني عن وجود مشكلة سكانية، في حين يعبر مصطلح انسب السكان عن انعدام المشكلة السكانية او غيابها" . (الاحمدي، 2009:ص167)


ولاتقتصرالمشكلة السكانية على كونها تزايدا سريعا للسكان في ضوء بطء النمو الاقتصادي فقط، بل تتعداها الى جوانب اخرى ترتبط بالنمو والحجم والتركيب والهجرة، بل انها تمس جميع جوانب متغيرات دينامية السكان، والنتائج التي تترتب عليها، وينبغي النظر اليها من خلال هذه الجوانب على نحو متكامل .



كما ان المشكلة السكانية قد تظهر بعكس ذلك عند هبوط عدد السكان، وما يصاحبه من انخفاض قوة العمل، والعجز عن تلبية احتياجات النمو الاقتصادي مثلما حدث مثلا في السويد وامريكيا في بدايات القرن العشرين . (الاحمدي، 2009:ص167)

وتمارس المميزات العامّة للسكان : عددهم, جنسهم, اعمارهم, توزيعهم الجغرافي .....الخ اثرها المباشر على مختلف مناحي الحياة : إنتاج الغذاء, السلع والخدمات وتوزيعها, الشروط الصحية, تأمين الخدمات التربوية والاجتماعية, نوعية البيئة ....الخ . وبالعكس تؤثر ظروف الحياة القائمة في المجتمع على القرارات السكانية التي يتخذها الأفراد والأسر, والمجموعات الصغيرة التي ينتمون اليها (يونسكو,1986:ص12).

وهنا تظهر ضرورة توافر اسباب وجود عمل تربوي سكاني على صعيد المجتمع ككل, يتيح للمواطنين اتخاذ القرارات المدروسة وبالتالي خلق روابط بين النظرية والتطبيق (UN,2004a:pp.28-31) . وهذا العمل هو ما اصطلح عليه منذ اربعة عقود تحت عنوان –التربية السكانية- .

وبهذا تمثل المشكلة السكانية اولوية ملحة في القضايا الوطنية لأي بلد، وهي احد الهموم الرئيسية للنظام التعليمي، لما يمتلكه هذا النظام من امكانيات كبيرة في تشكيل الوعي الواسع وايجاد اتجاهات ايجابية نحوها،وفي مقدمتها مساعدة المدرسين والمربين على فهم ادوارهم التربوية والمعرفية والتنويرية تجاه القضايا السكانية، وبالتالي حسن أداءهم لتلك الادوار بما يحقق اهداف التنمية الشاملة.(المصباحي،2004:ص171)

إن مبرر وجود التربية السكانية إذاً, أن نجعل من حاجات المتعلمين وعائلاتهم, ومن معاناتهم الاجتماعية وبيئتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية, نقطة انطلاقها ونهايتها في أن واحد . وهكذا يتحمل قطاع التربية, مسؤولية العمل في مجالات التربية السكانية وديناميكية السكان, من حيث علاقتهما بالتخطيط التربوي, وما يتصل به من بحث ودراسة وعمل في إطارالتنمية المتكاملة اجتماعيا واقتصاديا وبيئيا..

ومن هنا كان لزاما على أي عمل تربوي - مثل التربية السكانية- يهدف إلى تغيير محتويات التعليم وطرائقه ان ترافقه إجراءات غايتها اعداد المعلمين/ المدرسين لمثل هذه التغيرات , سواء على مستوى التأهيل قبل الخدمة, أو على مستوى التدريب اثناء الخدمة, وذلك من خلال تأثر برامج التأهيل والتدريب ببعض العوامل في البلد المعني وبنظامه التربوي ومؤسساته.

وبذلك تفرض حالة تعليمية موضوعية ما امكن يقدّم فيه المربّي للمتعلّم مجموعة من الوقائع والقيم التي تسمح له بتقدير تشكيلة الاختيارات المتاحة,وذلك وفق الفلسفة التربوية للدولة, والسياسة السكانية الخاصّة بها, ولمختلف المراحل الدراسية, لان الكفايات المطلوبة من المربّي تحظى بأهمية كبرى في التربية السكانية , وهي تشكل هدفا مهمّا يجب بلوغه .


المصادر

1. الأحمدي, عائشة سيف, 2007, قضايا التربية السكانية : مستوى المعرفة والاتجاهات لدى معلمات التعليم العام بالمدينة المنورة, اطروحة دكتوراه غير منشورة, كلية المعلمين, جامعة طيبة, المدينة المنورة, المملكة العربية السعودية .

2. الأحمدي, عائشة سيف, 2009 ، هل معرفتهن معقولة؟ او اتجاهاتهن مقبولة؟ المعلمات السعوديات وقضايا التربية السكانية ، في مجلة المعرفة ، العدد 167 في 18/1/2009 ، وزارة التربية والتعليم ، السعودية.

3. 2007أسكوا،2007 ,إدماج التحولات الديموغرافية في خطط وبرامج التنمية, تقرير اجتماع فريق الخبراء حول مناقشة إطار إقليمي يساعد على إدماج التحولات الديموغرافية في خطط وبرامج التنمية عمان 3,4 نيسان(ابريل)2007,المجلس الاقتصادي والاجتماعي / اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا(اسكوا)الأمم المتحدة, نيويورك .

4. الكبيسي، عبدالواحد حميد ثامر،2006، اساليب التعليم ومهاراته في ضوء القران الكريم والسنة النبوية الشريفة، اصدارات جامعة الانبار/مركزطرائق التدريس، الانبار ،العراق.

5. الكبيسي،عبدالمجيد حميد ثامر ،2009، مفاهيم التربية السكانية ومهارات تدريسها والأتجاهات نحوها لدى مدرسي التعليم الثانوي، اطروحة دكتوراه غير منشورة ، الأكآديمية العليا للدراسات العلمية والأنسانية، قسم العلوم التربوية والنفسية، بغداد، العراق.

6। المركز الديموغرافي في القاهرة، 1978،السكان والتعليم في العراق ، ورقة عمل مقدمة من قبل الباحث عبدالمجيد حميد ثامر الكبيسي الى الحلقة الدراسية حول التخطيط الأقليمي والسكان المنعقدة في مقر الجمعية الجغرافية المصرية للفترة من 1-8/10/1978، القاهرة، مصر.




7الكبيسي،عبدالمجيد حميد،2010، التربية السكانية (المفاهيم ،الاهداف،المحتوى، منحى النظم، المنهجية، التقويم) ، مكتبة 

المجتمع العربي للطباعة والنشر والتوزيع، الاردن ،عمان .
8المصباحي ، عبدالوهاب ، 2004 ، التربية السكانية –المحور الخامس- ، في الكتاب المرجعي في التربية السكانية ، منشورات وزارة التربية والتعليم ، صنعاْْْْء ، اليمن.

9المقهوي، محمد سالم ،2009، الظواهر والمشكلات : دراسة اجتماعية ، مشروع دراسة وخدمة تنمية المجتمع،الادارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة العسير ،السعودية. على موقع الانترنيت الآتي :
www.scoutup.net/up/scoutup_1402909637.doc .

10يونسكو ,1986, إعداد المعلمين في مجال التربية السكانية, دليل عملي, منشورات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة UNESCO , مطابع اليونسكو, باريس, فرنســـــا .

11
UN, 2004a, World Population Monitoring 2003-Populuation, Education and Development, UN, Department of Economic and Social Affairs Population Division, New York .


                                                                                  


د.عبدالمجيد حميد الكبيسي / الأكآديمية العليا للدراسات العلمية والأنسانية/بغداد/العراق .
/المديرية العامة للتربية في محافظة الانبار/مدير الاعداد والتدريب

24‏/10‏/2009

د.عبدالمجيد حميد ثامر الكبيسي :دراسة في السكان والتربية








د.عبدالمجيد حميد الكبيسي


الباحث
عبدالمجيد حميد ثامر الكبيسي
المديرية العامة للتربية في محافظة الانبار
بحث ديموغرافي (منقح) منشور في مجلة العلوم الانسانية والاقتصادية
(مجلة علمية محكمة ) تصدرها جامعة الانبار
العدد الثاني – أيار 2004
(( ص165-172))


بسم الله الرحمن الرحيم

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )
(الحجرات 13)
صدق الله العظيم










مشكلة البحث واهميته

في عالم اليوم يبرز عدد من المفاهيم العلمية ذات الصلة الوثيقة جدا بمجمل حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ولعل اهمها تلك المفاهيم التي تتعلق بكمية البشرعلى الارض من ناحية ، ونوعيتهم من الناحية الاخرى . غير ان المشكلة الملحة هي تداخل هذه المفاهيم ، واختلاط مضامينها لكونها تتم ضمن عمليات تفاعل معقدة بين العوامل المتنوعة التي تحكم المجتمع ومساراته. وقد خلقت هذه العمليات لدى الكثير عدم وضوح الرؤيا لحدود هذه المفاهيم . ومن هذه المفاهيم : السكان، التربية ،التنمية ، وعلاقاتها المتبادلة التأثير فيما بينها.

ولهذا اضحت اهمية تقديم وصف محدد لكل منها وعلاقتة المتبادلة التأثير مع هذه المفاهيم قضية قد يكون من الضروري توضيح لها . وبذلك قد يخلق الوعي الديموغرافي فيما يحيط بالمجنمع البشري من اخطار وانزلاقات، جراء الاستخدام غير الصحيح للموارد البشرية والمادية . وممكن من خلالها ان تتاح فرصة لرسم صورة المستقبل على ضوء تطور الماضي وحال الحاضر وامنيات المستقبل في اطار التنمية المستدامة.

واذا كان مفهوم السكان على وفق تعريف وزارة التربية العراقية بأنهم : " عدد الناس الذين يعيشون على سطح الكرة الارضية, وهم يختلفون في توزيعهم وكثافتهم من منطقة الى أخرى تبعا لمصادر العيش,ويشكلون مجتمعـــــــــــات تعيش في وحدات سياسية تسمّى الدولة " (ابراهيم واخرون,2004 :ص51) . او كما تعرّفهم وزارة التربية السورية بانهم : " مجموعة الافراد الذين يعيشون في زمان ومكان معينين تربطهم علاقات اجتماعية "(وزارة التربية,1996:ص1) , فأن وصف هؤلاء الناس يقودنا إلى الافاق الرحبة لعلم السكان -الديموغرافيا- حيث تشكل المعطيات المستخدمة في هذا العلم مساهمة أساسية وفاعلة في حقل الدراسات السكانية .

وضمن هذا التوجه يهيأ علم الديمغرافيا " وهو العلم الذي يتناول عبر الزمن حجم السكان وتركيبتهم وتوزيعهم المكاني على ضوء الاحداث الحيوية الثلاثة :الولادات – الوفيات – الهجرة " الانفتاح على ميادين اخرى بوصفها نوافذ ينظر منها الى المجتمع من كل جوانبه.(غيث،1997:ص125)

ان دور التربية في معادلة مجمل هذه التفاعلات يبدو ذو اهمية واضحة ، مما يستوجب تسليط الضوء على العلاقة المتبادلة بين السكان والتربية داخل حركة المجتمع في الاطار الاقتصادي والاجتماعي .

ومن خلال استقراء مسلسل الاحداث التأريخية الكبرى يتقرر ان العلاقة بين الانسان والتعليم ولدت مع خلق الانسان في سياق قصة استخلاف آدم عليه السلام على الارض ومنحه مقاليدها واعطاءه المعرفة التي يعالج بها هذه الخلافة حيث يقول الجليل تعالى : ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿30﴾ وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿31﴾ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿32﴾ قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴿33﴾)) (البقرة30-33)

وقد عبر القران الكريم عن مظاهر تكريم الانسان واعلاء شأنه واشعاره برئاسته لهذا العالم المحسوس حيث عبر البارئ بقوله تعالى : (( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴿70﴾)) (الاسراء:70) ، أي ان الانسان المحتفظ بآدميته يسمو على بقية المخلوقات بما وهبه الله من عقل ونطق وتميز ، ويعرف كيف يستثمر ماوهبه الله جل في علاه بأقصى حد ممكن من استنباط العلوم والمعرفة التي تهديه الى الحق لذاته والخير لأجل العمل.

وفي السياق ذاته ، يميز القران الكريم بين نوعين من البشر : الانسان الذي يعمل بالعقل ويستثمر هذا العقل ، والانسان الذي يتبع سبيل العناد وتعطيل الحق، رفع الأول الى المكانة اللآئقة به وتكريمه كما اسلفنا ،ووضع الثاني الذي ذمّه الباري ووصفه بالبهيمة الغافلة اللآهية ( الزيدي،1980:ص184-187) ، حيث يقول الجليل : ((أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا )) (الفرقان:44) .

ومن هنا ادرك الفلاسفة ومنهم المسلمون مكانة الانسان في الطبيعة والكون، ووجهوا اليه اهمية بالغة حتى يوصف احيانا بأنه " عين الوجود" .(الجعفري والعسكري،2002:ص78)

وبعد ان خلقنا الله سبحانه وتعالى من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا، أصبحت الارض مأنوسة باعداد متزايدة من السكان ، ومعها ظهرت علاقات متنوعة بين الانسان والأشياء الاخرى ، ومنها علاقة الانسان (بوصفه موردا بشريا) مع الموارد المادية في الطبيعة ، وغدت عملية استثمار الموارد بالشكل الامثل واحدة من اهم مقومات ديمومة الحياة وبهجتها على الاطلاق، وذلك اذا ما احسن توجيهها في اطار قدرة الاجيال المقبلة الحفاظ على هذه الموارد بما يسمى" التنمية المستدامة" : والتي تتضمن بأنه لايجوز للحاضر ان يستهلك المستقبل.

ولان البشر هم الثروة الحقيقية للأمم, وان التنمية الإنسانية هي عملية توسيع خيارات البشر, فأن احقياتهم من حيث المبدأ غير محدودة, وتتنامى باطراد مع رقي الإنسانية. ومن المداخل الاساسية لتحسين حياة الإنسان على الارض الاهتمام بتفعيل دور الفرد والاسرة, والجماعة, والامة, والإنسانية. (سلمان,2003:ص72)

ويتم تحسين نوعية الحياة من خلال "العيش حياة طويلة وصحية, والحصول على المعرفة, وتوافر الموارد اللازمة لمستوى معيشة لائق, مع استحقاقات إضافية اخرى, تشمل الحرية السياسية, والاقتصادية, والاجتماعية, وتوافر الفرص للإنتاج والإبداع, والاستمتاع باحترام الذات, وضمان حقوق الإنسان " . (البرنامج الإنمائي,2003:ص18)

وعليه تتضح اهمية البحث بتوضيح المفاهيم الخاصة بالسكان والتربية وصفيا من وجهة النظر الديموغرافية. وذلك على النحو الآتي:

1. الانسان والموارد: ( Human & Resoures )

يمثل الانسان عبئا ثقيلا على كاهل المجتمع طيلة حياته منذ ان يولد بل حتى قبل ان يولد أو يرى النور ، بينما لايمكن لهذا الانسان أن يعتبره المجتمع موردا أو ثروة قبل ان يكتسب من الحياة أعواما من العمر يستوي خلالها على عوده. وبعد ان يقضي الانسان سنوات من الدرس والتحصيل يتسع فيه افقه تدريبيا وتعليميا وتثقيفيا في اطار قيما تربوية تحكم مساره ، فأنه يستطيع بعدها ان يساهم في سوق العمل عضليا أو عقليا أو ذهنيا أوفكريا ، ويمتطي السنين تدريجيا في الأرتقاء بمقدار قدرته على انماء طاقته وتفجير ملكاته الكامنة . (فراج، 1975: ص44،441)

وتأسيسا على ذلك، فأن المشاكل الاقتصادية لمجتمع الانسان تترتب تلقائيا على ازدواج الدور الذي يلعبه العنصر البشري في الحياة بوصفه منتجا ومستهلكا معا، ولكن ليس في آن واحد. فالأنسان يبدأ وظيفته في الحياة أول مايبدأ كمستهلك ويظل كذلك عقدا أوبعض العقد ، بينما لايستطيع ان يحشر نفسه في زمرة المنتجين ألا اذا اكتسب خواصا وصفات معينة ،بعضها ذاتي كالعمر، وبعضها الآخر كياني يتحقق للفرد بتفاعله مع المحيط الذي يعيش فيه وبتفاعل هذا المحيط معه،مثل : الحالة التعليمية والحرفية والمهنية والمالية والاجتماعية وما الى ذلك من الصفات التي قد يتسنى للمرء اكتسابها قبل ان ينتقل من جانب الأعباء الى جانب الموارد في الميزانيات السكانية ، وهي ميزات يمكن التدرج في عرضها من الصورة الهيكلية العامة الى حد الميزانية الاستقلالية الواقعية والتخطيطية ، وبأسلوب علمي متخطّ للصعوبات والمعوقات التي تعترضه . والذي يؤكد هذا المنحى إن مؤسسات التربية مطالبة بإلحاح إضافة إلى الوضع الراهن, إن تواجه المستقبل بكل أنواع تحدياته مواجهة واعية مسؤولة, .(السعيد,2004:ص1-3)

ان كل الموارد سواء كانت موارد بشرية أو غيرها هي موارد وأعباء في نفس الوقت ، ولابد لها ان تصان من التلف والضياع والنفاد ، فالأستغلال الكفء للموارد وصيانتها صيانة واعية هما الركنان الأساسيان لأي خطة تنمية حكيمة،اذ بدون الصيانة لايمكن أن ينجح الاستغلال ، بل ان الصيانة واجبة وحتمية حتى لو انعدم الاستغلال نهائيا ، والا تهالكت المجتمعات ودوت الحضارات ودالت الدول . وهذا يعني ضرورة ادنى حد من الاخلال بالنظام الايكولوجي .(UN,2004a:pp.137-138 )

2.الانسان والتعليم : ( Human & Teaching )
في المجتمعات البسيطة التي لاتتعرض للتغيّر السريع يستطيع الطفل الآخذ بالنمو ان يكتسب المعرفة والمهارات التي تسمح له بأن يحتل مكانه بوصفه شخصا بالغا ، وذلك بأن يقتصر على المشاركة في "الدراما الأسرية" التي تدور احداثها حوله ومشاهدتها .( تومسون ولويس،1969:ص297)

فعن طريق مشاهدة سلوك البالغين حوله يوما بعد يوم، فأنه في امكان الطفل ان يتعلم بصورة مباشرة ، مثلا مايحتاج اليه الفلاح الناجح من المعرفة والمهارات والاتجاهات، ولكن اليوم في أي مجتمع يزداد تحوله الى الصناعة والتحضر ويصبح اكثر تعقيدا ، فأن مثل هذه الخبرة غير الرسمية ليست وافية وبصورة تدعو للأسى بوصفها وسيلة لاعداد الطفل لمرحلة البلوغ .

فالتعليم الرسمي الذي يتولاه الاخصائيون ـ المعلمون ـ هو مظهر جوهري من مظاهر المجتمعات الحضرية المركبة. وان ازدياد حجم المعرفة التى يتعين نقلها، وازدياد تعقيد المهارات العقلية والمطلوبة في القراءة والكتابة وعلم الحساب ،والسرعة التي تتغير بها المتطلبات الحرفية والمهنية ، كل هذه الامور تجعل من المستحيل على أي بيت ان يوفر التدريب اللازم أساسا لمشاركة الشباب في المجتمعات الحضرية وسياقاتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ( تومسون ولويس،1969:ص299)

وبكلمة اخرى ان كون الانسان اكثر الحيوانات حاجة للتعليم واقدرها عليه حيث يولد وهويمتلك النزر اليسير من الانماط السلوكية الفطرية ، لذا يكون عاجزا على مواجهة مطالب الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، وذلك يستدعي اطالة مدة رعايته حتى يتعلم ويكتسب التغير الثابت نسبيا في السلوك، بحيث يمكنه العيش في بيئته الانسانية المعقدة والمتغيرة والتي تتطلب التكيف المرن مع المواقف الجديدة التي يتطلبها المجتمع في تطوره الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. (كاظم،1988:ص38-39)

فالثورة التكنولوجية حاليا على سبيل المثال تعتمد على العقل البشري فهو مبدعها ومفجرها, وبنيتها بنية معرفية, فهي ليست حكرا على مجتمع شاسع المساحة, ضخم السكان, كثير الموارد, أو قوي الجيوش, وإنما هي ثورة يمكن لكل الأمم ان تخوض غمارها وتجني ثمارها, بشرط ان تكون الامم عارفة, والمجتمعات متعلّمة, ودائمة التعلّم .(عبد الموجود,1995:ص61)

3. التعليم والتربية : ( Teaching & Education)ينبغي ان نذكر هنا ذكرا بديهيا ان مفهوم التربية لايرادف مفهوم التعليم ، فالتعليم هو: التصميم المقصود للخبرة التي تعين المعلم على تحقيق التغيير المرغوب في اداء الطالب، فهو العملية المقصودة التي تؤدى بواسطة مؤسسات انشات خصيصا لهذا الغرض ،ويقوم بها افراد اختيروا ودربوا خصيصا للقيام بهذا العملية ، بهدف الحصول على معرفة او اكتساب مهارة أو تنمية قدرات أو طاقات خاصة.(فهمي 1965،ص7) ، (ايسيسكو,2003:ص25)

اما عملية التربية فهي اوسع من هذا واعظم . فالتعليم في هذه الحالة يكون جانبا من جوانب العملية أو عمقا من أعماقها ، ذلك ان التربية لاتهدف الى توصيل معرفة ، أو اكتساب مهارة أو تنمية قدرة أو طاقة ولكنها بالاضافة لهذا وفوق هذا تهدف الى تنمية الفرد من جميع جوانبه الروحية والخلقية والفكرية والمهارية والبدنية ، واعداده اعدادا سليما لكي يكون عضوا نافعا في المجتمع الذي يعيش فيه المواطن ، بل تهدف عن طريق وسائلها الى تنمية هذا المجتمع وتطويره وتحسينه بما يحقق الأهداف والقيم اﻹنسانية العليا.(مهدي، 2002:ص110)

وبعبارة اوسع ، ان التربية هي " جملة الأفعال والآثار التي يحدثها بأرادته كائن انساني في كائن انساني اخر ، وفي الغالب راشد في صغير ، والتي تتجه نحو غاية قوامها ان نكوّن لدى الكائن الصغير استعدادات منوعة تقابل الغايات التي يعد لها حين يبلغ طور النضج من خلال التقاء الهدف الفردي مع الهدف الاجتماعي" ( ) . وبعبارة اوجز فأن التربية " هي الأوبة الى الذات وتحرير الذات انطلاقا من الميول الطبيعية واستنادا الى المجتمع مع تجاوز كليهما" .(عبدالدايم،1972:ص )

وبناء على ذلك فأن مؤسسات التربية اوسع واعظم ، حيث هنالك مؤسسات التربية غيرالمقصودة . على انه يجب ان لاينظر الى التعليم نظرة منفصلة عن التربية ، بل يجب ان نعتبر مفهوم التعليم هو العمليةالتربوية التي تتم داخل المدرسة ، وبعبارة ادق ، هي التربية المقصودة التي تتم داخل المدرسة . واذا كانت التربية تتناول احداث التغير المطلوب في السلوك ، فانها في اصح مفاهيمها هي مفهوم ذو ثلاثة أقطاب:

القطب الأول: هو ان نبلغ بالفرد كمال نموه وتفتحه الانساني عن طريق ربطه بالحياة الاقتصادية والاجتماعية في مجتمعه.
القطب الثاني: هو ربطه بالقيم الاجتماعية في بلده وفي العالم .
القطب الثالث: ربطه بما فوق الاقتصاد وفوق القيم الاجتماعية نعني بها القيم الانسانية والروحية العليا التي يصل اليها بواسطة تفتحه الشخصي ، واكتمال نظرته الفردية ، واستقلاله وأوبته الى ذاته. ( عبدالدايم، 1972:ص8)

4.التربية والتنمية : (Education & Development)

ان الزيادة البالغة في المعرفة والمهارات التكنولوجية في عالمنا المعاصر ، جعل التعليم المكون الحيوي في التنمية الشاملة لكونه احد مفاتح الرفاهية ومساهمات السكان في التغيرات السريعة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية . فالنمو الواسع في المنجزات العلمية والتكنولوجية وتطبيقاتها الواسعة في التنظيم والادارة أدى الى حاجات متزايدة لسكان اكثر تعلما من اجل المساهمة في التقدم المستمر لكل قطاعات المجتمع . وفي هذا المجال يعد التعليم مقياسا للحالة الاجتماعية ومقياسا لنوعية السكان بما يمثله من استثمار في الرأسمال البشري.(Alexander,1970:p.12)

وفي الحقيقة ان كمية التعليم التي تحصل عليه الأجيال الصاعدة انعكاس مباشر لاتساع جهود الوالدين والمجتمع المحلي والدولة والوطن ، وتضع القاعدة الرصينة لبناء المجتمع . فعدد سنوات التعليم المدرسي الذي يحصل عليها السكان البالغون واحدة من المؤشرات الافضل لنوعيتهم . والتعليم يلبي حاجة خطط التنمية للقوى العاملة بمختلف مستوياتها ، فضلاعن انه يخلق القدرة على التكيف مع المواقف الجديدة لها ، فليس المهم انشاء مصنع أومزرعة ولكن المهم من الذي يحرك هذا المصنع وهذه المزرعة فالحاجة قائمة الى عقل صناع ويد صناع وعقل مزارع ويد مزارع .(الكبيسي،2004:ص32)

وتظل الحاجة قائمة وملحة الى مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية ، فلا تنمية اذن بدون تعليم هادف ومخطط لموازنة الاحتياجات مع الامكانات ، وجودة مخرجات التعليم واستيعابها الصحيح في مجالات القوى العاملة .

ولهذه الاسباب اصبح التعليم المدرسي يحظى بعناية خاصة عالمية ، ليس فقط من المتخصصين بالتربية ، وانما شمل أيضا علماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة . وبدأت النظرة بأن التربية نوع من استثمار رؤوس الأموال وخصوصا في الدول النامية . أما في الدول المتقدمة فهم يرون بأن التربية هي العامل الرئيس في تحسين الأنتاج ومستوى معيشة الشعوب . ( Adms,don,1971:p.179 )

5. السكان والتنمية : (Population & Development )في الحديث عن السكان والتنمية تعتبر الموارد البشرية العامل الرئيس الذي يخلق التنمية الشاملة "فالتنمية بالانسان وللآنسان" . ومن هنا فأن التعريف الواضح للاهداف الديموغرافية يعد احد الاسباب الحيوية لنجاح أي خطة للتنمية .

ان نمو السكان يتفاعل تفاعلا معقدا مع اقتصاد المجتمع وحالته الاجتماعية في الاطار العام لحركة الحياة في شتى المجالات ، فعلى سبيل المثال يظهر النمو السكاني بالاضافة الى التركيب العمري والتركيب الاقتصادي والتركيبات الأخرى للسكان بأنه من العوامل المؤثرة جدا على درجة ومستوى التنمية التي تؤثز على السكان وتركيباتهم المختلفة وذلك فضلا عن تطور مستوى المعيشة . ان دور التعليم في هذه التفاعلات دور مزدوج التأثير حيث يؤثر ويتأثر بين كمية الموارد البشرية من ناحية ، ونوعيتها من ناحية اخرى .وبعبارة ادق بين حجم السكان وتحصيلهم التربوي والاقتصادي والأجتماعي. (Jones,1973:p.6)

وعلى الرغم من صعوبة تحديد دور التعليم في هذه التفاعلات على نحو مستقل،الا ان الشيء الذي لايقبل الجدل هو ان ازدياد اهمية المعرفة والمهارات التكنولوجية في الخلق والتنمية جعل التربية المكون الحيوي في عملية التنمية الشاملة ، وهو الذي يقود الى حياة بشرية افضل من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية على اعتبتر ان المستوى التعليمي للسكان هو المؤشر الجوهري لنوعية هؤلآء السكان . وبالمقابل فان تقدم التنمية الأقتصادية والأجتماعية في أي بلد يؤدي الى انخفاض الولادات لأسباب كثيرة منها تأخير سن الزواج ، مساهمة المرأة في سوق العمل ، انخفاض الوفيات طوال فترة الحياة المدرسية للفرد...الخ.

6.اثر السكان على التربية :(Impact of Population on Education )

لكون التعليم لايتم في فراغ وانما يتم داخل المجتمع ، فكل حديث عن التعليم لابد ان يكون في اطار العوامل الديموغرافية وغير الديموغرافية والتي تتميز بتفاعلاتها المعقدة . غير ان العقبات الديموغرافية تبقى معوّقا رئيسيا وخصوصا الوصول الى تحقيق استراتيجية كم ونوع افضل لتطوير التعليم . (Jones,1975:p.9)

ويمكن تصنيف عناصر التعليم الى ثلاثة عناصر أساسية هي :

- المقيدون في المدارس .
- المعلمون .
- المصروفات.

ان اثر السكان على التعليم يمر عبر هذه العناصر الثلاثة . فمعدل نمو السكان المرتفع يؤدي الى تداعيات مباشرة وغير مباشرة عن المسار الطبيعي للتنمية التربوية .فمثلا معدل نمو السكان المرتفع من ذوي العمر المدرسي على نحو خاص يسبب توسعا كبيرا في المتطلبات التربوية ، لأن اتساع الأعمار الشابة في المدارس يؤدي ثقل عبء الاعالة على الموارد البشرية والمادية .( UNESCO,1973:p.616)

اكدت الدراسات وجود علاقة قوية – ارتباط ذو دلالة احصائية - بين المتغيرات التربوية الثلاثة اعلاه من جهة والمتغيرات الديموغرافية من جهة اخرى ، وهذه العلاقة متبادلة التأثير.( UNESCO,1970:p.98)

ان معدلات نمو السكان تؤثر سلبا على المجتمع أمام زيادة عدد المقيدين في المدارس ، حيث يؤدي الى مضاعفة عدد المقاعد المدرسية. فزيادة العرض في الصفوف المدرسية يؤدي الى زيادة كبيرة جدا من المعلمين الذين يحتاج إعدادهم الى وقت كبير، وامكانيات كبيرة ، كما ينسحب ذلك الى ارتفاع الكلفة التعليمية ، فضلا عن ارتفاع معدل عدد الطلبة للمعلم الواحد مما يؤدي الى أعباء كمية ونوعية على النظام التربوي التي طالما تزداد حدتها أضفنا اليها عامل الهجرة من الريف الى الحضر.,(Brown,1974:p.115) ( (Thamer,1979:pp.149-175 )

7. اثر التربية على السكان : (Impact of Education on Population)

بالمقابلة هنالك تأثير معاكس للتعليم على السكان في اطار التنمية الشاملة، فقد اظهرت الدراسات بأن التنمية التربوية تؤثر على ديناميكية السكان من خلال تأثيرها على مكونات النمو السكاني الثلاثة :

- الخصوبة .
- الوفيات.
- الهجرة .
(Brown,1974:p.176-215)

فالتربية على سبيل المثال تؤدي الى اختزال الولادات ،إذ ان ارتفاع مستوى تعليم الأم يؤدي الى انجاب اقل للاطفال وفق سياقات العوامل الاقتصادية والاجتماعية. ومهما يكن من أمر فأنه يمكن تصنيف تأثيرالتربية والتعليم على الخصوبة على النحو ألآتي :

1. ان التربية تعمل مستقلة عن المتغيرات الاخرى بوصفها تأثيرا مباشرا مثل : القيد، المنهج، محتوى التعليم، القيم والمعتقدات التي تحدد حجم الأسرة .

2. التربية تؤثر مباشرة على العوامل الأخرى التي تؤثر على الخصوبة مثل: عمر الزواج، مساهمة المرأة في سوق العمل، الانتقال الاجتماعي ، اتصال الزوج والزوجة، تقليل وفيات الاطفال . بعبارة اخرى ان التربية لها تأثير غير مباشر على الخصوبة .

3. التربية مع متغيرات مستقلة اخرى- مثل التعليم مع التحضر والتصنيع- تؤثرعلى الخصوبة.

ومن جهة اخرى فأن ارتفاع مستوى تعليم الافراد يؤدي الى انخفاض عدد الوفيات بسبب زيادة الوعي الصحي ، وتحسن مستوى المعيشة . والتعليم هنا واحد من عوامل كثيرة مثل: تحسن الخدمات الطبية ، التسهيلات الصحية ، مستوى الدخل القومي، نوع النشاطات الاقتصادية والاجتماعية .
(Divs,1975:p.211)

الهجرة هي الاخرى تزداد تبعا لارتفاع مستوى الافراد التعليمي ، سواء على الصعيد الداخلى - الهجرة الداخلية - او على الصعيد الخارجي -الهجرة الخارجية- فقد اوضحت الدراسات بأن هنالك معامل ارتباط بين الميل الى الهجرة وارتفاع المستوى التعليمي للفرد.
( 1976 p.347 , Shryock )
8. التربية السكانية :( Education Population )

التربية السكانية مفهوم يصف الجهود والانشطة المبذولة من قبل النظام التربوي لجعل السكان- من جميع الاعمار- على يقظة وحذر من التغيرات السكانية وعواقبها على الحياة والمجتمع بوصفها جزءا من العمليات الاجتماعية على النطاقين المدرسي واللامدرسي .وتتضمن التربية السكانية نقل الوعي بالمشكلات السكانية على الصعيد العالمي والاقليمي الى مستوى يمكّن الفرد والمجتمع في آن واحد من مواجهة التحديات الديموغرافية (الناصر،1979:ص3).

ويعرف Sikes التربية السكانية بأنها :"عملية مساعدة الناس , لفهم طبيعة اسباب العملية السكانية، وتداعياتها ، وتأثيرها وتأثرها بوساطة الافراد والاسروالمجتمعات المحلية والوطن,وتركزعلى قرارات الفرد والاسرة فيما يخص التبدل السكاني عند المستوى المصغر Micro ، فضلا عن المستوى الديموغرافي الواسعMacro ". (Sikes,1993:p.12)
ويمكن تلخيص اهميتها بما يأتي :

- تساعد الافراد على تحديد طبيعة المشكلات التي لها علاقة بالسكان .

- تساعدهم على اتخاذ قرارات واعية ورشيدة ازاء القضايا السكانية , وفهم نتائج قراراتهم واعمالهم على نحو افضل .

- تساعدهم على إدراك العلاقة المتبادلة بين التقدم الاقتصادي والاجتماعي ودينامية السكان واثر القرارات التي يتخذونها على التنمية وبالعكس .

- إسهامها في التجديد التربوي في اختيار مضامين تربوية لها اهميتها في حياة الافراد وتطوير طرائق التدريس.


الاستنتاجات : ( Conclution)
نستنتج مما سبق ان الاطار المفاهيمي لعلاقة السكان بالتربية لايمكن النظر اليه الا في اطار التنمية بسبب التأثيرات المتبادلة بين المتغيرات الثلاثة : السكان ، التربية ، التنمية . وذلك بوصفها نتائجا للتغذية الراجعة ، في التفاعلات المعقدة بين هذه المتغيرات . ويظهر جليا دور التخطيط الذي يعد نقطة البدء المنطقية للوصول الى الاهداف الاقتصادية والاحتماعية والثقافية، لرفع مستوى الفرد والمجتمع في آن واحد من مختلف جوانب الحياة التي تتجه الى غاية قوامها سعادة الانسان – توسيع خياراته- . ويتم ذلك من خلال الاستثمار الامثل للموارد البشرية والمادية المتاحة للحصول على افضل مردود كمي ونوعي ، باقل وقت وبأقل جهد وبأقل كلفة، و من خلال موازنة الحاجات مع الأمكانات في الاطار البيئي . ويبقى التخطيط الديموغرافي حجر الزاوية الجوهري في رسم الاستراتيجيات القصيرة المدى والمتوسطة والطويلة، لكونه ساحة التخطيط الشامل لأي بلد .


{ الرَّحْمَنُ ﴿1﴾ عَلَّمَ الْقُرْآَنَ ﴿2﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴿3﴾ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴿4﴾ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴿5﴾ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴿6﴾ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴿7﴾ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴿8﴾ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴿9﴾ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ﴿10﴾ } (الرحمن :1-10)
( صدق الله العظيم)


المصادر:

القرآن الكريم .

1. إبراهيم, رياض وآخرون, 2004, مبادئ الجغرافية العامة / للصف الأول متوسط,,ط 24 منقحة، منشورات وزارة التربية, مطبعة كفاح العصامي, بغداد, العراق .

2. البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة, 2003, تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003,نحو إقامة مجتمع المعرفة, منشورات المكتب الإقليمي للدول العربية للصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي, المطبعة الوطنية, عمان, الأردن .

3. تومسون, دارين س. و لويس, داﭭيد ت, 1969, مشكلات السكان, ترجمة الشافعي والبراوي, منشورات مكتبة الانجلو المصرية, مصر, القاهرة .

4. الجعفري، ماهر اسماعيل، والعسكرى، كفاح يحيى ،2002، فلسفة ابن رشد التربوية ،دار الحكمة للنشر ، بغداد ،العراق.

5. الزيدي، كاصد ياسر، 1980،الطبيعة في القران الكريم ، دار الرشيد للنشر،بغداد، العراق.

6. السعيد, رضا مسعد, 2004, آليات البحث التربوي الخطة والمنظومية, في المؤتمر الرابع للمدخل المنظومي في التدريس والتعليم, دار الضيافة, جامعة عين شمس 3-4 ابريل, القاهرة, مصر.

7. سلمان, علي سلمان, 2003, حول مفهوم التربية السكانية,في مجلة التربية , العدد الثامن, ابريل 2003, المركز القومي للمناهج والبحث التربوي, البحرين.

8. عبد الدايم, عبدالله, 1972, التخطيط التربوي اصولة الفنية واساليبة الفنية وتطبيقاتة في البلاد العربية, دار العلم للملايين, بيروت, لبنان .


9. عبد الموجود, محمد عزت, 1995, من قضايا التعليم والتنمية,في مستقبل التربية العربية, العدد الأول, مصر .

10. غيث, محمد عاطف, 1997, قاموس علم الاجتماع, دار المعرفة الجامعية, الإسكندرية, مصر .فراج, عبد المجيد, 1975, الأسس الإحصائية للدراسات السكانية, جامعة القاهرة, مصر .

11. فهمي، محمد سيف الدين،1965 ، التخطيط التعليمي ، مكتبة الانجلو المصرية ،القاهرة ،مصر كاظم, عبد الرحمن اسماعيل, 1988, علم النفس التربوي ونظريات التعلم, منشورات وزارة التربية, معهد التدريب والتطوير التربوي, بغداد, العراق .

12. الكبيسي، عبدالمجيد حميد ثامر،2004 , السكان والتعليم, في مجلة الهدى والنور ، فصلية تربوية , العدد 18 حزيران 2004, المديرية العامة لتربية الانبار, الإعداد والتدريب, الانبار, العراق .

13. المركز الديموغرافي في القاهرة، 1978،السكان والتعليم في العراق ، ورقة عمل مقدمة من قبل الباحث عبدالمجيد حميد ثامر الكبيسي الى الحلقة الدراسية المنعقدة في مقر الجمعية الجغرافية المصرية للفترة من 1-8/10/1978، القاهرة، مصر.

14.الكبيسي، عبدالمجيد حميد ثامر،1979، دينامية السكان وتنمية التعليم في العراق،رسالةغير منشورة مقدمة الى المركز الديموغرافي بالقاهرة كجزء من متطلبات الحصول على شهادة الماجستير في فلسفة الديموغرافيا (ملخص مترجم من الانجليزية الى العربية )،القاهرة ،مصر

14. مهدي, عباس واخرون,2002, اسس التربية , دار الكتاب للطباعة والنشر, بغداد .

15. الناصر, صالح حمدان وآخرون, 1979, التربية السكانية في العراق, وزارة التربية, المديرية العامة للتخطيط التربوي, مطبوعة بالرونيو، بغداد, العراق .

16. وزارة التربية ,1996, التربية البيئية والسكانية في طرائق تدريس العلوم لدور المعلمين السنة الأولى والثانية, وزارة التربية, سوريا .


17. ايسسكو, 2003, دليل الايسيسكوا لإدماج مفاهيم الصحة الإنجابية والنوع الاجتماعي في منهاج التربية الإسلامية,منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة « ISESCO », الرباط, المغرب .


18. Alexander , Kjnrecia, 1976, population dynamic and Education in Development Process of Arab countries . UNESCO, Beirut.

19. Brown, Lester R., 1974, In the Human Interest, Astrategy to Stabilize World Population, W.W. Norton & Com pawn Inc, New York .

20. David Evants, 1979 , Games and Simulation in Literacy Trainings , Holton Educational Publications Itd in CO-operation with the International Institute for AdultLiteracy Methods, Amer Sham, U.K .

21. Jones, Gavin, 1973 ,Population Growth and Educational Planning in Developing Nation, Irvington Publishers, New York .

22. Shryock, Henry. S, & Siegel, Jacob S., 1976, The Methods and Materials of Demography, ACADMIC PRESS, INC, New York .

23. Sikes .O.J., 1993, Reconeptualization of Population Education, United Nation Population Information Network "POPIN", UN Population Division, Department of Economic and Social Affairs, with UNFPA, New York, USA.


24. Thamer, Abdul-Majeed Hameed Al-kubaisi, , 1979, Population Dynamics and Educational Development in Iraq , Master (Unpublished) Thesis, Cairo Demographic Center , CDC,(U.N. - A.R.E.) , Cairo .


25. UN, 1973, The Determinants and Consequences of Population Trends, New Summary of Findings on Interaction of Demographic, Economic and Social Factors, Vol. 1, UNITED Nation, New York .


26. UN, 2004, World Population Monitoring 2003-Populuation, Education and Development, UN, Department of Economic and Social Affairs Population Division, New York .


27. UNESCO,1970, Regional Office for Education, Population Educatoion and Development in Arab Countries , Beir

د.عبدالمجيد حميد ثامر الكبيسي : ماهي التربية السكانية (Population Education )





بسم الله الرحمن الرحيم
[وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ] (النحل72)
صدق الله العظيم







                                                                            ما هي التربية السكانية
(Population Education )



                                                                         
د.عبدالمجيد حميد الكبيسي
  



حينما خلق الله تعالى الإنسان،جعل فيه مجموعة من الاحاسيس والطاقات وانواعا من أساليب التفكير والعمل,و لم يكن جل في علاه ليترك هذه الاحاسيس وهذه الاساليب والطاقات محكومة بهوى النفس, لانه خلق الإنسان لهدف [ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴿56﴾ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ﴿57﴾ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴿58﴾] (سورة الذاريات:الايات 56-58) ، فكان لابدّ أن توجّه هذه الطاقات إلى الانسجام التام مع الغرض من هذا الخلق من خلال :

● الإيمان بالله تعالى : بما يخلق رقابة ذاتية نابعة من الجانب العقائدي الذي يربط الارض بالسماء, وعمل الإنسان بفلسفة الجزاء - الثواب والعقاب- , وهذا الشيء تعجز عنه القوانين الوضعية لارتباطها بالرقابة الخارجية وتوفر ادلّة إثبات .

● التوازن والتكامل بين الجوانب العقلية والمادية والنفسية والروحية .

● الربط بين التربية ومبدأ الاستخلاف .

● الحفاظ علي البيئة وتوازنها الايكولوجي .

● الاستثمار الامثل للموارد المادية والبشرية المتاحة.


وهكذا فقد عنيت الشريعة الإسلامية بمختلف مناحي الحياة الإنسانية, وتضمنت تعاليمها أروع التوجيهات السديدة التي تدعوا الإنسان إلى أتباع أنماط من السلوك القويم الذي يحقق الأمن والاستقرار والرفاه والسعادة, له ولأسرته ولمجتمعه, ووطنه وأمته والعالم برمته . (التويجري,2006:ص1)

بعبارة اخرى ان منهاج الهداية الالهية للبشرعلى الارض يعد هدف مركزي للوجود، نشعر به بمجرد وصف الارض وتسميتها بالمعمورة . وان التنمية البشرية - التي هي توسيع خيارات البشر في الحياة - ذات بعدين لنمو السكان في الاطار التنموي الشامل: الكمي والنوعي.

ويعرّف مصطلح السكان هنا بأنه : " مجموعة الافراد الذين يعيشون في زمان ومكان معيّنين تربطهم علاقـــــــات اجتماعية". (وزارة التربية,1996:ص1) . ويشمل هذا المصطلح الانسان بمحيطه الاجتماعي والثقافي والبيئي ودوره في التنمية والتطور ، وليس العيش المجرد فقط في بقعة جغرافية واحدة.

وبالمقابل فأن مصطلح التربية كما يعرفه الخطيب " يعني التنشئة والنهوض والاصلاح واظهار القوى ، وتتوجه نحو الانسان والمجتمع والثقافة والتراث والايديولوجية" . (الخطيب،1992:ص15) وهي بمعنى اعم نشاط كلي يؤثر في تكوين الفرد, وأداة ديمومة الحياة, ووظيفتها نقل تراث المجتمع،وتوجيه طاقاته وتكيفه الاجتماعي .

والذي يؤكد هذا المنحى إن مؤسسات التربية مطالبة بإلحاح إضافة إلى الوضع الراهن, إن تواجه المستقبل بكل أنواع تحدياته مواجهة واعية مسؤولة, وبأسلوب علمي متخطّ للصعوبات والمعوقات التي تعترض سبيله . ومن ابرز الأولويات هي مسايرة متطلبات الثورة العلمية والتكنولوجية, ومستلزمات التقدم السريع في العلوم كافة والتي زحفت تقنياتها على نحو واسع إلى ميدان التربية لتصبح وسيلة من وسائلها من ناحية, واللحاق بالعصر وتطّوراته وابعاده المستقبلية من الناحية الاخرى .(السعيد,2004:ص1-3)

ان ارتباط السكان مع التربية يعكس العلاقة القوية بين المتغيرات السكانية والمتغيرات التربوية، ويفسر ان هذه العلاقة ولدت مع خلق الانسان وزوجه، ومابثّ منهما بعد ذلك - بتدرج زماني ومكاني- رجالا كثير ونساءا ، حيث تحكم هذه العلاقة اطر فلسفية لعوامل تأريخية واقتصادية واجتماعية ذات تفاعلات معقدة ، انعكست تماما على ثقافة الشعوب .

فعلى سبيل المثال عرف المصريون القدامى في حضارة وادي النيل قضية تنظيم النسل وهي واضحة في آثارهم لحد الآن .(عقلة،1983:ص83)

الحضارات القديمة :اليونان ، الرومان ، الصينيون ، العرب ، تناولت الحجم المناسب للسكان في الحرب والسلم ، وادارة الدولة ، والموارد .... (.(UN,1973:pp.33,34)
البلدان الاوربية في اواخر القرن السابع عشر الميلادي دعت الى تحديد النسل وكان ابرز الديموغرافين المتشائمين آنذاك مالثوس .وقد رد عليه الديموغرافيون المتفآئلون بالعديد من وجهات النظر المتنوعة في جدال دائم ومتصاعد.

المسلمون القدامى في صدر الاسلام اعتنوا بالقضايا السكانية التي أولاها الاسلام اهتماما خاصا ، ومنها تنظيم السلوك الانجابي للبشر على وفق نصوص القران الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ،التي تحث على الكثرة النوعية للمسلمين.

علماء المسلمين في العصر الحالي يؤكدون" إن القوة العددية من النعم التي يمن بها الله على الناس ، ومما يفخر بها المفاخرون ، ويخوف بها المتربصون ... ولكن مما ينازع فيه أن الإسلام لا يريد كثرة كغثاء السيل ، بل يريد الكم والكيف معاً ، فإذا ما تعارضا فالكيف مقدم على الكم ، ولكن لا ينبغي لتنظيم النسل أن يكون فلسفة للدولة تجبر عليها الناس جميعاً ( القرضاوي ، 1987م، ص26) . والمهم جدا ان يكون كل ذلك في الحدود التي رسمها القران العظيم والسنة النبوية المطهرة .

وعلى اية حال فأن مصطلح التربية السكانية بمعناه العلمي ولد قبل اربعة عقود من الزمن: وهويشهد تطورا مفاهيميا ملحوظا في المجال الآكاديمي زمانيا ومكانيا ، وعلى الصعيدين الوطني والعالمي.

وتعني التربية السكانية ببساطة تعليم السكان قضايا السكان ،ويمكن التعبير عنها بأنها جهد مقصود يهدف الى صنع الفرد المتنور سكانيا ، والمتمكّن علميا وتربويا، والمتفاعل اجتماعيا. فهي مفهوم يصف الجهود والانشطة المبذولة من قبل النظام التربوي لجعل السكان- من جميع الاعمار- على يقظة وحذر من التغيرات السكانية وعواقبها على الحياة والمجتمع ، بوصفها جزءا من العمليات الاجتماعية على النطاقين المدرسي واللامدرسي .وتتضمن التربية السكانية نقل الوعي بالمشكلات السكانية على الصعيد العالمي والاقليمي الى مستوى يمكّن الفرد والمجتمع في آن واحد من مواجهة التحديات الديموغرافية بكل انماطها .

يعرف Sikes,1993 التربية السكانية تعريفا متطورا بأنها :"عملية مساعدة الناس , لفهم طبيعة اسباب العملية السكانية، وتداعياتها ، وتأثيرها وتأثرها بوساطة الافراد والاسروالمجتمعات المحلية والوطن,وتركزعلى قرارات الفرد والاسرة فيما يخص التبدل السكاني عند المستوى المصغر ، فضلا عن المستوى الديموغرافي الواسع " . ( p.12: Sikes,1993 )

وتعرف التربية السكانية وطنيا : بأنها جهد تربوي, يهدف الى توعية المتعلّمين بالظاهرات السكانية وعلاقتها بالموارد المتاحة , لاتخاذ مواقف رشيدة ومسؤولة حيال تلك الظاهرات, بما يخدم التنمية الشاملة في القطر, ويساعد على تحسين نوعية الحياة للفرد والاسرة والمجتمع ،وهذا هو التعريف المعمول به حاليا في أكثر من قطر عربي .

ويرى خضور،2007 انه بوسعنا وصف التربية السكانية بأنها عملية تربوية, تستهدف التأثير على الإدراك والقرارات والسلوك في القضايا المرتبطة بالسكان . كما انها تتعدى أن تكون إشارة عرضية للظاهرة السكانية في قاعة الدرس من خلال عملية التكيف الاجتماعي, بل انها تتطلب تحليلا نقديا لظواهر السكان, مع إعطاء انتباه خاص لآسبابها ونتائجها .(خضور،2007 :ص310)

ويستخلص الباحث ،2009 تعريفا للتربية السكانية التي تتم داخل المدرسة –وهو تعريف يجمع بين كم السكان ونوع الانسان- على وفق الصيغة الآتية:

" التربية السكانية المدرسية عملية تربوية شاملة, تهدف الى توعية المدرسين - وبالتالي طلبتهم ثم جمهور السكان- بالوضع السكاني السائد, وتطوير معارفهم ومهاراتهم, وتكوين اتجاهات ايجابية لديهم نحو التنمية الشاملة وعلاقتها بالسكان والموارد والبيئة، والصحة الانجابية، والنوع الاجتماعي . واتخاذ قرارات قيميّة مستنيرة وفق السياسة السكانية للبلد والسياسة التربوية له, وذلك من اجل تحسين حاضر نوعية الحياة البشرية ومستقبلها على مستوى الفرد، والاسرة ، والمجتمع ".(الكبيسي،2009:ص20 )

ونستطيع ايجاز اهمية التربية السكانية بما يأتي :

- تساعد الافراد على تحديد طبيعة المشكلات التي لها علاقة بالسكان.

- تساعدهم على اتخاذ قرارات واعية ورشيدة ازاء القضايا السكانية , وفهم نتائج قراراتهم واعمالهم على نحو افضل.

- تساعدهم على إدراك العلاقة المتبادلة بين التقدم الاقتصادي والاجتماعي ودينامية السكان واثر القرارات التي يتخذونها على التنمية وبالعكس.

- إسهامها في التجديد التربوي في اختيار مضامين تربوية لها اهميتها في حياة الافراد وتطوير طرائق التدريس.

وفي هذا المعترك فأن خلاصة معظم الدراسات في الادب التربوي السكاني التي شملت العالم برمته ، تتفق على أهمية التربية السكانية اعلاه, وضرورة تطويرها وفقا لسياقات علمية أو نظم محدّدة, وعلى وجود ضعف معرفي في الوعي بقضاياها الحيوية . (الكبيسي،2009:ص195-223)

كما ان الإطار ألمفاهيمي للتربية السكانية قد تطوّر عبر العقود الأربعة الماضية (1970- 2009), وهو بحاجة مستمرة إلى أغنائه بالبحث والدراسة والعمل وما يتعلّق به من تقويم وتعديل .

فضلا عن ان تحليل المحتوى اوضح عدم كفاية الكتب المدرسية - وخصوصا كتب الجغرافية ومناهجها- لمضامين التربية السكانية.

وفي هذا السياق فان الهدف المركزي للتربية السكانية هو تحسين حاضر نوعية الحياة ومستقبلها . ولأجل تحقيق هذا الهدف ينبغي تمكين المتعلّمين من الحصول على المعارف,والمهارات، والاتجاهات ، الضرورية اللازمة لفهم وتقييم الوضع القائم في المجال السكاني والعوامل المؤثرة فيه ,وذلك على صعيد الفرد , والأسرة , والمجتمع , والبلد , والعالم , ثم اتخاذ القرارات العقلانية والقيام بالسلوك المناسب.

واخيرا تعد التربية السكانية ضرورة بالغة الاهمية ، سواء للبلد الذي يرغب في زيادة سكانه او ثباتهم اوعكس ذلك ، فهي مفهوم يستقي فحواه من مباديء وقيم المجتمع وفلسفته التربوية والاقتصادية والاجتماعية زمانيا ومكانيا.

وعلى ضوء ذلك يتضح ان طبيعة التربية السكانية بوصفها استجابة تربوية متعدّدة الاختصاصات ومندمجة في بنية محتويات المواد والوحدات الحاملة,تتطلب استخدام ادوات تقويمية تعنى بوجه خاص - إضافة إلى جانب المعارف والمهارات- بالجانب الوجداني الاجتماعي لارتباطه القوي بمنهجية القضايا السكانية واهدافها, أي ادوات تقيس تغير الاتجاهات والمواقف ودرجة التطبّع ،والمنحى السلوكي المتوقّع مستقبلا ان يسلكه المتعلّم في الحياة تجاه القضايا السكانية والصحية والإنمائية....وان يتم كل ذلك وفق النظم القيمية والاخلاقية للمجتمع .

بسم الله الرحمن الرحيم
[وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً ۚ وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ ۖ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ] (الاعراف86 )
صدق الله العظيم


المصادر

القران الكريم

1. التويجري, عبد العزيز بن عثمان, 2003, دليل الايسيسكو لإدماج الصحة الإنجابية والنوع الاجتماعي في منهاج التربية الإسلامية, منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة, الرباط , المغرب.

2. (القرضاوي ، 1987م:ص26)، بواسطة موقع د. عائشة الأحمدي www.dr-aalahmadi.com/ .

3. خضور, يوسف, 2007, دراسات في التربية البيئية والسكانية, جامعة البعث، كلية التربية ، مديرية الكتب والمطبوعات, دمشق, سوريا .

4. الخطيب, محمد بن شحات, 1992, دور التربية البيئية في تحقيق التكامل بين البيئة والتنمية في أقطار مجلس التعاون بالخليج العربي ,ندوة البيئة والتنمية, الرياض المملكة العربية السعودية.

5. 5. السعيد, رضا مسعد, 2004, آليات البحث التربوي الخطة والمنظومية, في المؤتمر الرابع للمدخل المنظومي في التدريس والتعليم, دار الضيافة, جامعة عين شمس 3-4 ابريل, القاهرة, مصر.
6. (عقلة،1983:ص83 ) ، بواسطة موقع د. عائشة الأحمدي . ) www.dr-aalahmadi.com (

7.الكبيسي، عبدالمجيد حميد ثامر،2011، مفاهيم التربية السكانية ومهارات تدريسها والأتجاهات نحوها لدى مدرسي التعليم الثانوي، اطروحة دكتوراه غير منشورة ، الأكآديمية العليا للدراسات العلمية والأنسانية، قسم العلوم التربوية والنفسية، بغداد، العراق.



8.       الكبيسي، عبدالمجيد حميد ثامر،2011، التربية السكانية : المفاهيم، الاهداف،  المحتوى، منحى النظم، المنهجية، التقويم،  ط1، مكتبة المجتمع العربي للطباعة والنشر والتوزيع-  ط2، دار الإعصار العلمي، عمان، الاردن.

  9 .وزارة التربية ,1996, التربية البيئية والسكانية في طرائق تدريس العلوم لدور المعلمين السنة الأولى والثانية, وزارة التربية, سوريا .


10. Sikes .O.J., 1993, Reconeptualization of Population Education,. 9United Nation Population Information Network "POPIN", UN Population Division, Department of Economic and Social Affairs, with UNFPA, New York, USA.

11.UN, 1973, The Determinants and Consequences of Population. 10. Trends,2. New Summary of Findings on Interaction of Demographic, Economic and Social Factors, Vol. 1, UNITED Nation, New York .
-------------------------------------------------------------------------------------









د.عبدالمجيد حميد الكبيسي / الاكاديمية العليا للدراسات العلمية والانسانية / بغداد/ العراق
مدرس الكلية التربوية المفتوحة / الانبار