18‏/04‏/2010

الأمراض المنقولة جنسياً (داء الاباحية)- د.عبدالمجيد حميد الكبيسي


الأمراض المنقولة جنسياً - بقلم د.عبدالمجيد حميد الكبيسي

بسم الله الرحمن الرحيم (( ُفلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) )) (النور،32،31) صدق الله العظيم



من البديهي ان مفهوم الجنس يعني دافعا فطريا يكفل المحافظة على بقاء الانسان (الحفاظ على النوع)، وهذا الدافع يحتاج مدة من الزمن حتى ينضج تماما لدى الانسان ، وله اثر حاسم في حياتنا الاجتماعية وفي الصحة النفسية ، وهو يزيد النشاط البدني العام ، وتشكل الهورمونات الجنسية العامل الاساس في هذا الدافع.

ولكون التربية الجنسية تغطي الجوانب التشريحية الفسيولوجية للاجهزة التناسلية والتغيرات الطبيعية والعاطفية والنفسية اثناء البلوغ والحمل والولادة ، فأنها تتناول التعامل مع السلوك الجنسي ، والادوار الجنسية ، والامراض المنقولة جنسيا.

وعليه تشكل معرفة الامراض المنقولة جنسيا جزءا هاما من محتوى نظام التربية الجنسية الذي يرتبط بعلاقة حميمة مع نظام التربية السكانية .


1. الامراض المنقولة جنسيا ، تعريفها وخطورتها :

تعد الامراض المنقولة جنسيا مشكلة صحية عالمية تشغل بال العالم بأسره, وهي لا تفرق بين الاعماروالجنسيات والاعراق,كما ان نسبة انتشار هذه الامراض عالية جدا في كثير من دول العالم (UN,2008:pp.1-3).
وقد يؤدي الفشل في تشخيص ومعالجة الالتهابات المنقولة جنسيا في مراحله المبكرة إلى تعقيدات خطرة مثل : العقم عند النساء والرجال,العمى لطفل مولود من ام مصابة بمرض السفلس,إصابة الطفل بالمرض نفسه كمرض السيدا -الايدز- ,الحمل في الانبوب -خارج الرحم- ، ألم دائم في اسفل البطن, سرطان في عنق الرحم, ولادة جنين قبل الاوان. (الصبري,2006:ص1-3),(الهلال الاحمر,2008:ص1-4)

والامراض الجنسية معدية تنتقل بصورة اساسية عن طريق الاتصال الجنسي من شخص مصاب الى شخص سليم, ويكون سبب هذه الامراض أو الالتهابات, كائنات دقيقة تعيش على الجلد أو الاغشية المخاطية للمنطقة التناسلية, أو تلك المنقولة من خلال السائل المنوي أو الإفرازات المهبلية, أو الدم, عند الاتصال الجنسي . كما تنتقل بعض هذه الامراض من دون أي اتصال جنسي عن طريق الانسجة والسوائل المصابة بالعدوى أو الاتصال بدم ملّوث, والمشاركة في الحقن عند تعاطي المخدرات أو تثقيب الاذن أو الوشم . (نقابة الاطباء,2008:ص1-2),(وزارة الصحة,2008:ص3-4)

ومن هذه الامراض, على سبيل المثال :
ــ الايدز - السيدا - .
ــ السفلس - الزهري- .
ــ اليرقان - الصفيرة - .
ــ التعقبية - السيلان - .
ــ القرحة اللينة .
ــ المليساء المعدية .
ــ الثآليل التناسلية .
ــ الجرب .
ــ القمل - يصيب مناطق العانه -.

وتكمن خطورة هذه الامراض في أنها تستطيع أن تسبب مضاعفات في المصابين بالعدوى, وتستطيع ان تبقى في الجسم عديمة الأعراض لمدة طويلة, وان تسبب في إصابة الجنين الوليد بالعدوى.(الصبري,2006:ص3)

وقد كشفت منظمة الصحة العالمية WHO في احدث تقرير لها عام 2008, بان انواع العدوى المنقولة جنسيا تنجم عن اكثر من30 نوعا مختلفا من الجراثيم، والفيروسات، والطفيليات ،التي تنتشر عن طريق الاتصال الجنسي بالدرجة الاولى, حيث نشرت المنظمة، الحقائق العشر الآتية حول الموضوع (منظمة الصحة العالمية,2008:ص1-5) :

v تسري انواع العدوى المنقولة جنسيا بين البشر عن طريق الاتصال الجنسي بالدرجة الاولى . وقد تسري بعض منها من الام إلى طفلها اثناء فترة الحمل وخلال الولادة . ومن سبل انتقالها ايضا نقل مشتقات الدم أو زراعة الانسجة, ومن بعض الامراض الناجمة عنها هي الزهري, الايدز, وسرطان عنق الرحم .

v تأتي انواع العدوى المنقولة جنسيا في كثير من الاحيان, دون ان تسبب في ظهور اعراض .

v تصيب انواع العدوى المنقولة جنسيا النساء بشكل مفرط .

v تمثل الامراض المنقولة جنسيا اهم اسباب الضرر الذي يؤدي الى العقم لدى النساء .

v تؤدي 25٪ من حالات الحمل لدى النساء المصابات بالنوع المبكر من الزهري إلى مضاعفات كبيرة .

v يمثل فيروس الورم الحليمي البشري احد اكثر انواع العدوى المنقولة جنسيا فتكا بالناس, وجميع حالات سرطان عنق الرحم تقريبا مردها الإصابة بالعدوى التناسلية الناجمة عن ذلك الفيروس .

v تمثل العوازل, عندما تستخدم بطرق سليمة وبإستمرار, احد أنجع الاساليب للحماية من انواع العدوى المنقولة جنسيا, بما في ذلك عدوى فيروس الايدز.

v تمكّن عملية اخطار الشريك من قبل المريض« التي تمثل جزءا لا يتجزأ من الرعاية الخاصة بانواع العدوى المنقولة جنسيا» من الاعلام بإمكانية التعرّض لمخاطر تلك الامراض حتى يمكن التماس خدمات التحري والعلاج, وتوقي الإصابة بالعدوى مجددا, وفي الحد من انتشارها على نطاق واسع .

v تزيد الظروف الاجتماعية أو الاقتصادية, وبعض السلوكيات الجنسية من درجة تعرّض الشخص لمخاطر انواع العدوى المنقولة جنسيا .

v اعدّت المنظمة, إستراتيجية للتعجيل بتوقي ومكافحة الأمراض المنقولة جنسيا, وتضمينها بعناصر تقنية ودعوية يمكن تكييفها لغرض استخدامها في جميع أنحاء العالم .(منظمة الصحة العالمية,2008:ص1-5)

ومع ظهور جانحة العدوى بفيروس العوز المناعي البشريHIV ,ازدادت اهمية الامراض المنقولة جنسيا زيادة كبيرة, لان هذه العدوى تمثل أيضا مرضا اخر من هذه الامراض ولا يعرف حتى الان علاجه, حيث ينتهي الامر بالمصابين بهذه العدوى إلى الإصابة بمتلازمة العوز المناعي المكتسب«الايدز :ADIS» ، ثم الوفاة بهذه المتلازمة . (مجلس الخدمات والتنمية,2005:ص102)

وفي هذا السياق فان هنالك علاقة متبادلة بشكل قوي بين عدوى فيروس العوز المناعي البشري والامراض المنقولة جنسيا . ويتم اكتساب العدوى ونقلها بالطريقة نفسها التي يتم بها ذلك في جميع الامراض الاخرى المنقولة جنسيا . كما ان الوقاية الاولية من هذه العدوى وغيرها من تلك الامراض متماثلة . وأخطر ما في الأمر أن الامراض المنقولة جنسيا تسهّل انتقال عدوى هذا الفيروس والإصابة به.(الصبري,2006:ص3)

وعليه يمكن القول بأن الايدز مرض خطير يسببه فيروس نقص المناعة البشريةHIV ,حيث يعمل هذا الفيروس على تدمير جهاز المناعة في جسم الإنسان الذي يصبح عرضة للإصابة بالامراض الانتهازية وبعض الاورام الخبيثة, التي تودي بحياة الإنسان . بعبارة اخرى ان الشخص المصاب بـ HIV يصبح مصابا بالايدز إذا اصبح جهازه المناعي ضعيفا جدا، وعندما يصل الى هذه المرحلة يصاب بعدد من الامراض الخطيرة،ويخسرمعظم خلايا جهازه المناعي .(وزارة الصحة,2008:ص1-4)، (الموسوعة الصحية الحديثة,2000:ص1-6)

ويعد وباء الايدز, احد التحديات الخطيرة بوصفه من الأوبئة الفتاكة التي تواجه المجتمعات الإنسانية الحديثة بشكل عام, خاصة في الدول النامية حيث تسبب هذا المرض في عام 1998 في وفاة مليوني شخص من مجموع 6 ملايين شخص مصاب بهذا المرض في العالم .(ايسيسكو,2005:ص2-3)

كما تقدر منظمة الصحة العالمية العدد الإجمالي للإصابات على مستوى العالم منذ بداية الوباء في اوائل الثمانينات من القرن الماضي حتى نهاية عام 2003 بأكثر من 60 مليون مصاب .توفي منهم ما يزيد عن 20 مليون وبقى حوالي 40 مليونا متعايشين مع المرض, في حين, قدرت المنظمة عدد الإصابات المسجلة في عام 2003 فقط على مستوى العالم بخمسة ملايين إصابة ،أي ما يقرب من عشرة إصابات كل دقيقة .(نقابة الأطباء,2008:ص3),(UNAIDS,WHO,2004:p.100)

وعلى الرغم من ان الادوية المتوفرة مرتفعة الكلفة, الا انها تساعد على تحسين صحة المصاب بالايدز وتحد من نشاط الفيروس لزمن, ولكنها لا تقضي على الفيروس، ونجاحها محدود يعتمد على استخدام مجموعة من الادوية تهاجم الفيروس, وهي تسبب اعراضا جانبية خطيرة, وبالتالي فلا يوجد علاج شاف لهذا المرض, ولا يوجد أي لقاح واق منه لحد الان . غير ان اخر الابحاث في هذا الموضوع اظهرت وعودا بإمكانية وجود لقاح فعال خلال الخمس سنوات القادمة, وهذا قد يعطي أملاً للمجتمعات التي تعاني من هذا الوباء خاصة الدول الأفريقية جنوب الصحراء,حيث ان 70 ٪من مصابي العالم يتواجدون في هذا الإقليم مع انه لا يضم سوى10٪ من إجمالي سكان العالم .(UNESCO,2007:pp.34-36) ,(UNESCO,2004:p.29)



ثانيا. طرق الوقاية من مخاطر الايدز والأمراض المنقولة جنسيا .

بعد معرفة اسباب الإصابة بهذه الامراض, والتعرّف على الأعراض وطرق العلاج الممكنة, يبقى الامر الاهم هو طرق الوقاية منها, وهنا يطرح هذا الموضوع نفسه ليحكمه اتجاهان متكاملان في اطار الوقاية خير من العلاج ،ان لم تكن نفسه وهما :

1. الإتجاه الصحي :

وذلك بأتباع الطرق التي تؤدي الى الوقاية الصحية من شرورها ومنها :
ــ معالجة الامراض المنقولة جنسيا مثل السيلان, الزهري, الكلاميديا, الحلأ البسيط, بأسرع وقت ممكن, والابتعاد عن ممارسة الجنس نهائيا خارج إطار الزوجية . وفي هذا يأمرنا الله تعالى في محكم كتابه العزيز : « وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً » ( الاسراء ،الاية 32)
ــ إتمام الفحص المختبري للطرفين للكشف عن الالتهابات المنقولة جنسيا حتى بدون وجود اعراض أو علامات .

ــ يؤكد العلماء اليوم بأن الجلد الصحي والسليم هو مقاوم جيد للإيدز. وهنا نتذكر تعاليم الإسلام في الوضوء خمس مرات في اليوم، والذي يعتبر أفضل صيانة مستمرة للجلد وإكسابه مقاومة لكل الأمراض حتى الإيدز،كما أشارت الدراسات إلى أن احتمال العدوى بالإيدز تزيد كثيراً أثناء الاتصال الجنسي المخالف للطبيعة والفطرة التي فطر الناس عليها(مثل الشذوذ في إتيان المرأة ، حيث حرّم الإسلام الحنيف ذلك ).ويقول العلماء أيضاً إن احتمال العدوى بالإيدز تزداد بوجود دم أثناء الجماع، وهنا أيضاً نتذكر الحكمة من تحريم إتيان الرجل زوجته وهي حائض. لنستمع إلى الأمر الإلهي:( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة: 222[ فممارسة الجنس يجب ان تحكم تبعا للأعراف الدينية والأعراف الاجتماعية الرصينة، ،حيث يدعونا الله جل شأنه الى الاستعفاف بكل اشكاله وفي ذلك رحمة من ارحم الراحمين .

ــ استخدام حقن وريدية نظيفة ومعقمة, وعدم استخدام ابر وحقن الاخرين .

ــ التأكد من فحص الدم قبل عملية نقل الدم .

ــ التأكد من أدوات طبيب الأسنان معقمة .

ــ التأكد من تعقيم الأدوات المستخدمة كابر وحقن وأدوات ثقب الجلد .

ــ عدم استخدام المخدرات أو تناول الكحول, لأنهما يمنعان التفكير بوضوح ويدفعان الفرد الى ممارسة سلوك محفوف بخطر نقل الفيروس .

ــ محافظة الام الحامل المصابة بالفيروس على صحتها واتخاذ الإجراءات الضرورية لتجنب نقل العدوى لجنينها . وضرورة إجراء فحص مختبري للحوامل قبل الولادة .

ــ الابتعاد كليا عن التصرفات البهيمية الغير اخلاقية: كالدعارة واللواط والسحاق, لا لتأثير هذه الممارسات السلبي الكبير على المجتمع فحسب, بل لحرمتها في جميع الديانات السماوية .

ــ ان يحرص موظفوا المراكز الصحية على ممارسة التعامل السليم مع سوائل المرضى والمصابين مثل الدم أو الإفرازات التناسلية لئلا تنقل لهم العدوى طبقا لشروط منع نقل العدوى .

ــ تجنب استخدام الادوات الشخصية مثل فرشاة الاسنان, وشفرة حلاقة شخص مصاب .... (UNESCO,2007:pp.17,22),(UNESCO,2004:pp.10-14)

02 الإتجاه التربوي :

ان الطريق الوحيدة للوقاية من هذه الأمراض تقوى الله والابتعاد عن العلاقات المحرمة شرعا,ونظرا لعدم توفر لقاح علمي حتى ألآن, فان طرق الوقاية التي اعتمدتها المجتمعات تقوم على التثقيف, ونشر الوعي بطبيعة هذه الامراض . والملاحظ حاليا ان هنالك تطابق غريب بين كل الاتجاهات المتباينة في العالم حول فحوى طرق الوقاية الفعالة هذه، والتي سبقها بشموخ، النهج التربوي للشريعة الاسلامية واطره الروحية والاجتماعية قبل قرون طويلة من عمر البشرية ،فمثلا يؤكد جميع الباحثين اليوم بأن أفضل طريقة للقضاء على الإيدز وتجنّبه هو إيقاف كل أنواع الاتصال الجنسي غير المشروع، وهنا نقول: أليست هذه الدعوة اليوم هي نفس ما دعى إليه رسول الله علية افضل الصلاة وازكى التسليم قبل أربعة عشر قرناً؟!.؟


لقد أشارت الأحاديث النبوية الشريفة إلي حقيقة هامة وهي أن هذه الامراض(وباء الإباحية) سنة جارية، ونظام لا يتخلف في أي قوم قط من أي دين أو جنس أو بلد ، طالما ظهرت وكثرت فيهم الفاحشة واستعلنوا بها واستمرؤوها ، ظهرت فيهم الأوبئة والأوجاع الجديدة التي لم تبتل بها الأجيال قبلهم ، والذي يؤكد هذه الحقيقة طبيعة الأمراض التي تنتقل عن طريق الزنا واللواط فهي أمراض تسببها جراثيم ذات طبيعة خاصة فهي لا تصيب إلا الإنسان ولا تنتقل إليه إلا عن طريق الجنس ، ولهذه الجراثيم مقدرة عجيبة في اختراق جلد الأعضاء التناسلية والشفاه ، وتصل الإصابة بها إلي عمق الأجهزة التناسلية بل وإلي عموم الجسم ولا يوجد لهذه الجراثيم أمصال تقي الجسم من أخطارها ، ولا يكون الجسم منها مناعة طبيعية ، لأن هذه الجراثيم تغير خواصها باستمرار مما يجعلها مستعصية العلاج ، والجسم غير قادر علي مقاومتها ، ومن الممكن أن تظهر بصور وصفات جديدة في المستقبل.( الصاوي)

فمن الواضح ان الايدز وجميع الامراض المنقولة جنسيا, لها من الظروف والعوامل التي تسبب العدوى, ما يستطيع كل إنسان تجنبه لو اتبع سلوكا واعيا قويما, والتزم بالتعاليم الدينية, وبالمبادئ الاخلاقية التي جاء بها الإسلام, والتي هي محور ثقافتنا المتميزة وتقاليدنا الموروثة التي تحتوي على ما يمنع وقوع م ثل هذه الكوراث .(ايسيسكو,2005:ص1-24)


تلعب العائلة والمجتمع دورا مهما في الحد من انتشار هذه الامراض, من خلال النقاش في امور لها علاقة بالتوعية الجنسية, لتأمين الوقاية من الالتهابات المنقولة جنسيا, وخصوصا مرض الايدز,والوقاية من الامراض الجنسية الاخرى, وضرورة التعرّيف بالامراض المنقولة جنسيا : من حيث طرق انتقالها وأعراضها والوقاية منها.(الامم المتحدة,2006ب:ص1-3)


وفضلا عن ذلك ضرورة التعريف بمفهوم الجنس الآمن, واهمية الابتعاد عن المخدرات, وترسيخ المعتقدات الدينية بين افراد الاسرة والمجتمع لتكوين وازعا يمنعهم من اقتراف المحرمات, والممارسات غير الشرعية وغير الاخلاقية, ويكون ذلك من خلال التوعية الجنسية, أو الانشطة الاجتماعية والندوات, والمنشورات الخاصة أو من خلال المناقشات الهادفة بين افراد العائلة بخصوص هذه المواضيع.(وزارة الصحة,2008:ص4)


إن الأديان السماوية لا تحرّم المتع الحسية تحريما مطلقا, ولا تبيحها إباحة مطلقة, وإنما تنظّم ممارستها, فتفرق بين الحرام والحلال, فالحرام ممنوع والحلال مباح, ومن هنا يتأكد بأن الأخذ بالتعاليم الدينية كفيل بإغلاق كل الأبواب المفتوحة التي يدخل منها هذا الوباء المدمر لحياة الأفراد والجماعات . فالتعاليم الدينية تحل الزواج, وترغب فيه و تشجعه, بينما تحرم كل وسائل الاستمتاع الجنسي غير الشرعية, كما أنها تأمر بالمحافظة على القوى العقلية للإنسان, وتحرم كل مؤثر عليها، من مخدّر أو مفتر أيّا كان نوعه وبغض النظر عن طريقة تناوله . إضافة إلى أنها توجب العناية بالنظافة العامّة, والصحة العامّة, عناية تمنع الإنسان من الوقوع في مسببات الإصابة بالأمراض المهلكة .(ايسيسكو,2005:ص2-4)


والله سبحانه وتعالى يأمرنا بالعفة والطهارة, والبعد عن العلاقات العاطفية خارج إطار الزواج, ويبشر الفقراء إن يصبروا يُغنهمُ الله من فضله, وييسر لهم سبل الزواج, فالعفة الجنسية من أهم مقاصد الزواج لأنها تقي الإنسان من الشر والآثام والوقوع في فخ الخطيئة, ومن الفساد السلوكي المترتب على الإباحة الجنسية, لان المتزوج يقنع بما احل الله له, ولا يتعدّى حدود الله بانتهاك المحرمات(ايسيسكو، 2005:ص43), ولهذا نص القرآن الكريم نصاً واضحاً على حصر النشـــــــاط الجنسي في الزواج وملك اليمين) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)((سورة المؤمنون:الآيات5-7)

وإذا كانت طريقة تثقيف الاقران في الإطار التربوي السليم, واحدة من طرق إيصال المعلومات الصحيحة عن الامراض المنقولة جنسيا وأساليب الوقاية منها, فإنها بالمقابل تفرض على الاقران الشباب داخل المدرسة أو خارجها الحذر, وتجنب الانقياد لطريقة رفقاء السوء الذين قد يشجعون على القيام بممارسات خاطئة لا يقبلها الدين وترفضها العادات الاجتماعية . وينبغي أن لا ندعهم يزينون للبعض، هذه الممارسات على أنها مميزة أو مثيرة, لان غلطة واحدة قد تؤدي بحياة الإنسان إلى دوامة هو في غنى عنها, فالمطلوب الابتعاد عن قرناء السوء والتذكّر بان مصلحة الفرد هي قبل كل شيء, فإذا ما وقع الفرد في مصيبة من هذه الشرور فلن ينقذه احد منها . (UNICEF,1999:pp.1-8)

وهنا يجب التذكر بأن الآثار الاجتماعية للإصابة بفيروس الايدز اشد خطورة من المرض ذاته : فالطلاق والتفكك الأٌسري والطرد من العمل والمدرسة وأحياناً من المنزل, والنبذ من المجتمع... كلها آثار قد تكون أكثر إيلاما من الاثآر الصحية.(وزارة الصحة,2008:ص6)

3. التعليم المدرسي لمكافحة الأمراض المنقولة جنسياً :

على الرغم من التفاوت في الانشطة التربوية بين دول العالم حسب ظروف واستعدادات كل دولة لمواجهة الاخطار المترتبة على الامراض الجنسية وأبرزها مرض الايدز, الاّ ان هنالك إجماع عالمي مؤخراً يقضي بتضمين المنهج الدراسي برامجا تعليمية حول هذه المواضيع ضمن انشطة التربية السكانية . ويتمّ ذلك مع الاخذ بالحسبان الكامل, مدى الحساسية والمناطق الحرجة في التعليم والتربية فيما يخصّ تناول هذه البرامج خلال المراحل الدراسية المختلفة للطلبة واعمارهم المناظرة لها .

فعلى سبيل المثال منذ عام 2003 تدرس مواضيع تعليم الوقاية من الايدز في المدارس الصينية جنبا إلى جنب مع الوقاية من المخدرات ومكافحة التلّوث البيئي .(المؤتمر الاستشاري,2008:ص1-2)

وفي مصر تدرس الامراض المنقولة جنسياً لطلبة المدارس الثانوية «على الرغم من عدم كفاية هذا التدريس», كما ان المعاهد والكليات الطبية المصرية تكّرس جهوداً متميزة لمثل هذه المواضيع.(مكتب الامم المتحدة,2008:ص1-3)

وفي الولايات المتحدة وبريطانيا تخصص موارد مالية كبيرة لانجاح البرامج التربوية في مجال مرض الايدز التي يطلقون عليها« برامج العفة» . وتشير الدراسات هناك إلى وجود ثلاثة اسباب رئيسية كدوافع لتعلّم طرق الوقاية الايدز في العالم وهي :

v منع حدوث إصابات جديدة من خلال :

· إعطاء السكان المعلومات اللازمة عن فيروس نقص المناعة البشرية والايدز, مثل طرق العدوى والوقاية منها .
· يتعلّم السكان كيف يضعون تلك المعلومات موضع التنفيذ العملي لها .

v تحسين نوعية الحياة للسكان الغير مصابين بهذا المرض من اجل تحصينهم ضد المرض وتمكينهم من متطلبات هذا التحسين .

v الايدز في كثير من بلدان العالم وصمة عار، وخوف .. فمثلا كثير من الاسر تضطر إلى مغادرة منازلها في جميع انحاء الولايات المتحدة عندما يكتشف الجيران خبر الإصابة, حيث أن المصابين اكثر عرضة لنقل العدوى إلى شخص اخر دون علمه .(AVERT,2008:pp.1-9)

وهكذا يمكن القول أن اهداف التعليم فيما يخص مرض الايدز تتركز على :

· إعطاء فرصة للسكان المصابين بهذا المرض لتجنب نقلها للاخرين .

· إعطاء فرصة للاشخاص الذين لم تتم إصابتهم لحماية انفسهم من المرض .

ويتم ذلك عن طرق التعليم النشط، وتحويل المعرفة عن المرض إلى عمل «سلوك» .ويمكن تلبية الاحتياجات التربوية حول ذلك, من خلال : وجود الدافع، والتمكين، والواقيات الطبية، واللوازم الصحية ، ومرافق الاختبار. (CDC,2008:pp.1-3)

وخلاصة ماسبق تمكننا من ترتيب طرق الوقاية من الأمراض الجنسية كما يأتي:

1- الامتناع عن الاتصال الجنسي الغير مشروع والزنا وعدم مخالطة المصابين والابتعاد عن الأماكن 2- التوجيه السليم المقنع للشباب من الصغر. وهنا تقع الأمانة على عاتق الوالدين أمانة رعاية الأطفال، فكثيراً من العادات السيئة التي يكتسبها الأطفال تكون بسبب إهمال الوالدين وسوء التوجيه مع انعدام القدوة الحسنة لهم وتركهم بلا رعاية. ولا بد أن أشير هنا بأن إناطة رعاية الأطفال للمربيات، خاصة من لا دين ولا خلق لها أو ذوات المنبت السيء لا بد وأن تؤدي إلى انحراف الأطفال في كثير من الأحيان. كما وإن لنا في رسولنا الكريم أسوة حسنة إذ أمر أن نفرق بينهم بالمضاجع خاصة إذا كبروا.3- ترسيخ العقيدة وتعميق القيم الروحية في نفوس الشباب بطرق محببة إلى عقليتهم وإدراكهم حتى لا يملوا وإعطائهم الجرعة المناسبة في الوقت المناسب.4- التوعية خاصة بين الشباب عن مخاطر الأمراض الجنسية وذلك دورياً في المجلات والجرائد والمدارس والبرامج الموجهة بالتلفاز والراديو والوسائل الإعلامية الأخرى.5- تشجيع الشباب على ملء أوقات الفراغ وذلك بالمطالعة والرياضة وإيجاد أماكن للتسلية البريئة كالنوادي والرحلات المدرسية وغيرها.6- تشجيع الزواج المبكر(نسبيا) وتسهيل ذلك على المعسرين.7- إنشاء مراكز متخصصة للأمراض التناسلية تكون مهامها:( أ ) كشف الإصابات ومعالجتها.(ب) المتابعة حتى شفاء المريض تماماً.(ج) متابعة الحالات التي يمكن أن تتأثر بالعدوى كعائلة المصاب وغيرهم.(د) الفحص الدوري الإلزامي لأولئك الذين يقدمون خدمات للجمهور مثل عمال المطاعم وبائعي المواد الغذائية وغيرهم.وعلى هذه المراكز أن تكسب ثقة المصابين فكافة المعلومات والسجلات يجب أن تكون سرية وألا يطلع عليها أحد غير المشرفين على العلاج. كما يجب دعم المراكز وتزويدها بالأخصائيين والمشرفين الصحيين والاجتماعيين وتعطى لهم التسهيلات والصلاحيات لمتابعة المصابين.8- عدم استعمال أدوات المصاب خاصة الفوط الرطبة الملوثة وكذلك يجب الحذر من كراسي الحمامات العامة والتي بالفنادق أو الشقق المفروشة إذ لا بد من تنظيفها جيداً قبل الاستعمال.9- توزيع كتيب مبسط ونشرات خاصة على المسافرين توضح طرق انتقال الأمراض الجنسية وكذلك عن مضاعفاتها وطرق الوقاية منها ويمكن نشر تلك المعلومات بصفة دورية في المجلات الموجودة بالطائرات.10- الامتناع عن تناول المشروبات الكحولية والعقاقير المخدرة إذ أنها مصدر الآفات وهي أشد فتكاً بالمصابين بالأمراض التناسلية - خاصة التهابات البروستاتا - من غيرهم.11- عدم استعمال المضادات الحيوية دون استشارة الطبيب.يعتقد الكثيرون بأن هناك مضادات حيوية تقي من الأمراض الجنسية. إن هذا غير صحيح وقد تؤدي هذه المضادات إلى مردود عكسي وتسبب ضرراً فادحاً, إنه من المسلم به أن هناك أكثر من مرض ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي ولكل مسبب بل في بعض الأحيان تسبب أكثر من جرثومة ذلك المرض كما هو الحال في مرض السيلان فهناك أنواع محددة من المضادات الحيوية تعطى بجرعة معينة إلى زمن محدد فإذا حدث اختلال في النوع أو في مقدار الجرعة أو المدة فإن ذلك لن يقضي على تلك الجراثيم بل بالعكس قد يدفعها إلى أن تفرز مضادات تكسبها مناعة ضد الدواء وبالتالي يصعب علاجها. هذا بالإضافة إلى ما قد تسببه تلك المضادات من مضار للجسم كما أنها قد تخفي جرثومة مرض الزهري خاصة عند إجراء التحاليل المخبرية وقد يؤدي ذلك إلى ضرر بالغ للمصاب.12- في بعض المطارات والموانئ توجد مكاتب صحية للكشف على مرض الملاريا والأمراض المستوطنة الأخرى وذلك بفحص الدم وذلك لمتابعة الإصابات. فحبذا لو قامت هذه المراكز بعمل تحاليل لمرض الإيدس والزهري والسيلان خاصة للقادمين من مناطق موبوئة بالأمراض الجنسية التناسلية أو أن يحمل القادم شهادة من مستشفى مركزي موثوق تثبت خلوه من الأمراض الجنسية التناسلية.13- كما أنه من المفيد جداً التعميم على موثقي عقود الزواج بطلب شهادة خلو من الأمراض الجنسية التناسلية من الزوجين أو من الزوج خاصة.14- محاربة الأفلام والصور وكل ما يشجع على الفحشاء أو يسيء إلى القيم الخلقية والعفاف.15- المراقبة الدقيقة للمتبرعين بالدم وكذلك لبنوك الدم للتأكد من خلو العينات من فيروس الإيدس أو من جرثومة الزهري أو الأمراض التناسلية الأخرى. (ضياء )


نستنتج مما سبق ان الايدز وجميع الامراض المنقولة جنسيا ، لها من الظروف والعوامل التي تسبب العدوى ، ولكن يستطيع كل انسان تجنب ذلك اذا اعتمد سلوكا واعيا قويما، والتزم بالتعاليم الدينية ، والمبادى الاخلاقية التي جاء بها الاسلام ، والتي تشكل حتما محور ثقافتنا المتميزة وتقاليدنا الصالحة الموروثة . ان في قيمنا الروحية والاجتماعية النبيلة مايمنع وقوع مثل هذه الكوارث ، وذلك من خلال الوسائل التربوية الهادفة والمؤطرة ايمانيا ، ولايغير الله مابقوم حتى يغيرو ما بأنفسهم . والحمد لله رب العالمين.


الدكتور عبدالمجيد حميد الكبيسي / مدير الاعداد والتدريب في المديرية العامة لتربية محافظة الانبار
الاكاديمية العليا للدراسات العلمية والانسانية /العراق / بغداد