22‏/03‏/2015

دور العوامل الاجتماعية في التنمية الكمية للسكان في العراق







دور العوامل الاجتماعية
في التنمية الكمية  للسكان في العراق

د.مشحن زيد محمد التميمي
 كلية الآداب / الجامعة المستنصرية




تؤدي العوامل الاجتماعية أثرها الفاعل في زيادة حجم السكان بحيث يكون متوازياً من حيث الكم مع حجم الموارد الطبيعية التي يتمتع بها المجتمع او البلد.فاذا كانت العوامل الاجتماعية مشجعة على الانجاب فان هذا لابد ان يؤدي الى زيادة معدلات النمو السكاني . اما اذا كانت العوامل الاجتماعية المسؤولة عن زيادة حجم السكان غير مشجعة فان هذا لابد ان يقلص معدلات النمو السكاني، وبالتالي لاينمو السكان الا قليلاً(1). علماً بان العوامل الاجتماعية المؤثرة في التنمية الكمية للسكان لاتتعلق بالافراد انفسهم بل تتعلق بالمعطيات الاجتماعية والحضارية المحيطة بهم كالعادات والتقاليد الاجتماعية والخدمات التي يمكن ان تقدمها الدولة لهم فضلاً عن الموارد المالية التي تتمتع بها الاسرة والقيم الاجتماعية التي يحملها المجتمع ازاء الانجاب وزيادة السكان(2) . فحتى لو كان الفرد يحمل القيم الايجابية نـحو الانجاب وان ظروفه الذاتية مشجعة على الانجاب فانه لايسير باتجاه انجاب الذرية وزيادة حجم اسرته لان هناك عوامل اجتماعية وحضارية محيطة به تمنعه من انجاب عدد كبير من الاطفال.
ولكن مع هذا فان العوامل الذاتية المؤثرة في الانجاب لها الأثر المهم في الانجاب او عدم الانجاب، لان معدلات الخصوبة السكانية تتأثر بالعوامل الذاتية والموضوعية والمجتمعية ،وعليه فأننا عندما نريد دراسة التنمية الكمية للسكان ينبغي ان ننظر الى الظروف الذاتية للفرد وننظر ايضاً الى الظروف الموضوعية للمجتمع ،ثم نـحكم بعد ذلك على ان السكان سائر في طريق الزيادة او القلة.
ان هذا البحث يتكون من اربعة مباحث وخلاصة واستنتاجات ،الا اننا قبل الاشارة الى هذه المباحث ينبغي ان نـحدد اهداف البحث.
ان البحث يهدف الى تحقيق ثلاثة اهداف رئيسة هي ما يأتي:
 اولاً: التعرف على طبيعة العلاقة المتفاعلة بين حجم السكان وحجم الموارد الطبيعية في اي مجتمع كان، والمجتمع المقصود هنا هو المجتمع العراقي .
 ثانياً: تشخيص العوامل الاجتماعية المسؤولة عن زيادة الكم السكاني في العراق.
ثالثاً: تحديد التوصيات والمعالجات التي من شأنها ان تسرع ظاهرة التنمية الكمية للسكان في العراق.
 بعد تحديد اهداف البحث علينا التطرق الى محتوياته وابعاده العلمية والموضوعية .ان البحث يتكون من المباحث الاتية:
 المبحث الاول: التحديد العلمي للتنمية الكمية للسكان.
 المبحث الثاني: العلاقة بين حجم السكان وحجم الموارد الطبيعية في العراق.
 المبحث الثالث: ما العوامل الاجتماعية المؤثرة في التنمية الكمية للسكان؟ وهذه العوامل هي:
 اولاً: القيم الاجتماعية.
 ثانياً: الموارد المالية للاسرة.
 ثالثاً: الزواج المبكروالانجاب.
 رابعاً: الخدمات التي تقدمها الدولة للاسر الزواجية حديثة التكوين.
 خامساً: التقليد والمحاكاة.
 المبحث الرابع: التوصيات لتسريع ظاهرة التنمية الكمية للسكان في العراق.
 والان علينا دراسة هذه المباحث مفصلاً.
المبحث الاول:
التحديد العلمي للتنمية الكمية للسكان
هناك عدة تعاريف للتنمية الكمية للسكان ،لعل في مقدمتها التعريف الذي جاء به العالم هانسن في كتابه الموسوم بـ" الاقتصاد التطبيقي" الذي يقول فيه :بأن التنمية الكمية للسكان هي زيادة السكان زيادة مبرمجة ومخططة بحيث تتلاءم مع زيادة الموارد والخبرات الطبيعية التي يمتلكها المجتمع(3). اما العالم بيتر تاونسند (Townsend) فيعرف التنمية الكمية للسكان : بأنها زيادة سكانية ناجمة عن زيادة معدلات الولادات على معدلات الوفيات ، وهذا ما يطلق عليه الزيادة الطبيعية للسكان التي لا علاقة لها بالهجرات الداخلية والخارجية للسكان(4). اما تعريف البروفسور كورت للتنمية الكمية للسكان فهو:انها ظاهرة اجتماعية بايولوجية تفضي الى التكاثر السكاني عن طريق الولادات ،وعند موازنة نسبة الولادات بنسبة الوفيات نرى بان نسبة الولادات تزيد من حيث الكم على نسبة الوفيات ،وهذا ما يسبب التنمية الكمية للسكان(5). علماً بان هذه التنمية السكانية هي عملية مقصودة ومخطط لها مسبقاً وترمي الى احداث التوازن العقلاني بين حجم السكان وحجم الموارد الطبيعة.
ان جميع هذه التعاريف تعتقد بان التنمية الكمية للسكان انما هي عملية مقصودة وليس عفوية أو اعتباطية ، بل هي عملية مخطط لها مسبقاً ، فهي تريد أن تنمي السكان كماً لكي  يتناسب مع حجم الموارد الطبيعية، وبالتالي تتحقق حالة ما يسميه علماء السكان بالسكان المثالي ، وهو السكان الذي تتعادل فيه كفة السكان مع كفة الموارد الطبيعية(6). وحالة السكان المثالي تجلب للمجتمع التنمية الاقتصادية والاجتماعية لانها حالة يتمكن السكان من خلالها من استثمار الموارد الطبيعية استثماراً مثالياً يفضي الى التطوير والتغير الاقتصادي والاجتماعي.
والتنمية الكمية للسكان تختلف عن التنمية النوعية للسكان ، إذ ان المقصود بالتنمية الكمية للسكان كما اسلفنا في أعلاه هو زيادة ملحوظة في السكان عن طريق الزيادة الطبيعة للسكان . بينما التنمية النوعية للسكان هي تطوير مواهب وكفايات وقدرات السكان على الخلق والابداع وذلك عن طريق التدريب والتأهيل العلمي والتكنلوجي وتحسين طرق النشئة الاجتماعية التي تعتمد عليها الاسر في تربية أبنائها(7). ومهما يكن من امر فأن التنمية الكمية للسكان هي عملية يراد منها زيادة حجم السكان لكي يكون السكان قادراً على استثمار الموارد وبالتالي تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يخطط لها القادة المسؤولون في المجتمع.
من التعريفات المختلفة للتنمية الكمية للسكان نستطيع ان نشتق تعريفاً لها وهذا التعريف يوحد بين هذه التعاريف ويستفيد من خصوصياتها ثم يطبقه على موضوع البحث وهو أثر العوامل الاجتماعية في التنمية الكمية للسكان إذ ان التنمية الكمية للسكان لا تكون في فراغ وانما تتأثر بمنظومة من العوامل الاجتماعية التي تحدد طبيعتها ومسار عملها واتجاهاتها التنموية والنهضوية حيث ان زيادة الكم السكاني لها مردودات اقتصادية وسياسية وعسكرية وامنية لانه بدون السكان لا تكون هناك خطط تنموية تسعى الدولة من خلالها الى احراز التنمية الاقتصادية والاجتماعية الناجزة والى تحقيق حالة من الامن السكاني ثم حالة الامن العسكري والدفاعي لانه بدون السكان لا يستطيع المجتمع الدفاع عن نفسه ضد الاخطار والتحديات الخارجية والداخلية(8). وعليه فاننا نعرف التنمية الكمية للسكان تعريفاً اجرائياً بالقول : انها زيادة السكان المخطط لها مسبقاً والتي لها علاقة بالمشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي تريد الدولة تنفيذها وانها تتاثر بجملة العوامل الاجتماعية التي يتخصص هذا البحث في دراستها وتحليلها.

المبحث الثاني:
العلاقة بين حجم السكان وحجم الموارد الطبيعية في العراق
هناك ثلاث حالات للعلاقة بين حجم السكان وحجم الموارد الطبيعية، وهي:
اولاً: حالة النقص السكاني (Under population) وهي الحالة التي يكون فيها حجم السكان اصغر من حجم الموارد الطبيعية(9) وهي التي تتمثل في العراق إذ ان سكان العراق هو اصغر من حجم الموارد الطبيعية التي يمتلكها، وعليه فأن العراق مطالب بزيادة حجم سكانه عن طريق التنمية الكمية للسكان ، وهنالك حالة ثانية للعلاقة بين حجم السكان وحجم الموارد الطبيعية وهي حالة الفيض السكاني (Over population) وحالة الفيض السكاني هي الحالة التي يكون فيها السكان اكبر من حجم الموارد  الطبيعية مثلما هو موجود في الصين والهند والباكستان ومصر ، بمعنى ان السكان يزيد من حيث الكم على حجم الموارد الطبيعية(10).وهناك تطالب الدولة بتقليص حجم السكان عن طريق استخدام برامج التخطيط الاسري او وسائل منع الحمل .
ثالثاً: هناك حالة السكان المثالي (Ideal population) التي فيها يتساوى حجم الموارد مع حجم السكان(10). وهذه الحالة تعد من افضل الحالات للنمو الاقتصادي والاجتماعي في البلد وهي موجودة في بعض الدول الاوربية كما في انكلترا وفرنسا والسويد والمانيا والدانمارك وهولندا وبلجيكا. و الحالة هذه كانت سبباً من اسباب تقدم هذه البلدان في الميادين الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية.
وهكذا نلاحظ بأن العراق يقع في حالة النقص السكاني ، الحالة التي تحتاج الى زيادة السكان كمّاً لكي تتوازن كفة السكان مع كفة الموارد الطبيعية. علماً بان حالة النقص السكاني التي يعاني منها العراق هي حالة مضرة وتترك نتائجها السلبية على التقدم والنهوض الاقتصادي للعراق لان وحدات العمل لاتتناسب مع وحدات راس المال والانتاج ، لذا يكون الانتاج قليلاً واذا اراد العراق زيادة انتاجه القومي من السلع والخدمات فان عليه زيادة وحدات العمل لكي يستطيع استثمار رؤوس امواله الانتاجية استثماراً اقتصادياً خلاقاً(12) . وعندما لم يستطع العراق زيادة حجم سكانه مقارنة بالموارد الطبيعية التي يمتلكها فأنه اضطر في عقد السبعينيات الى دعوة العمال العرب والأجانب للقدوم الى العراق للمشاركة في استثمار خيراته الأقتصادية ولكن الأحداث اثبتت عكس ما كان يتمناه العراق من خبراته وموارده الأقتصادية ، فالعمال العرب والأجانب أخذوا يحولون رواتبهم واجورهم الى الخارج على شكل عملات صعبة مما جعل العراق يفتقد ملايين الدولارات عن طريق تحويلها للخارج من  العمال العرب والأجانب . وهنا اخذ العراق يعاني من نقص في عملاته الصعبة لأن قسماً كبيراً من العملات الصعبة التي كانت بحوزة العراق قد حوّلها العمال العرب والأجانب الى بلدانهم الى ان بات العراق يعاني من شحة العملات الصعبة التي يمكن ان يستثمرها في صناعاته ومشاريعه التنموية(13).
وهكذا نلاحظ بان النقص السكاني الذي عانى ويعاني منه العراق يكون بمثابة المعوق الذي يمنع العراق من احراز التنمية الاقتصادية والأجتماعية التي يحتاج إليها . لذا كان لزاماً على العراق ان ينمّي سكانه عن طريق الزيادة الطبيعية للسكان أي زيادة عدد المواليد وتقليص عدد الوفيات من خلال انتهاج مشاريع التنمية الأقتصادية والأجتماعية.



المبحث الثالث:
العوامل الأجتماعية المؤثرة في التنمية الكمية للسكان
هناك العديدمن العوامل والمعطيات الأجتماعية المؤثرة في التنمية الكمية للسكان إذ ان هذه العوامل تؤدي دورها الفاعل في تشجيع العوائل الزواجية والنووية على انجاب اكبر عدد ممكن من الأطفال او تشجيع غير المتزوجين من كلا الجنسين على الزواج المبكر لان الزواج المبكر هو سبب من اسباب الخصوبة السكانية وانجاب عدد كبير من الأبناء . إن هناك عوامل اجتماعية تساعد على زيادة الأنجاب والتنمية الكمية للسكان ، ولعل من اهم هذه العوامل ما ياتي:
أولاً: القيم الأجتماعية المشجعة على الأنجاب:
للقيم الأجتماعية دورها الفاعل في زيادة معدلات الأنجاب ، فاذا كانت القيم الأجتماعية التي يحملها الافراد مشجعة على الأنجاب ، فان معدلات الخصوبة السكانية ترتفع وبالتالي يزداد السكان بوتائر عالية.بينما لو كانت القيم الاجتماعية التي يحملها الافراد غير مشجعة على الانجاب،فان معدلات الانجاب لابد ان تنخفض الى مستويات هابطة وبالتالي يتقلص حجم السكان(14).
والقيم بمعناها العلمي الدقيق هي ضوابط اجتماعية تحدد سلوك وعلاقات الافراد في المجتمع بحيث يكون السلوك ملتزماً تجاه الزواج وانجاب الذرية .اذا كانت القيم الاجتماعية التي يحملها الافراد نـحو الانجاب ايجابية كان يعتقد الفرد بان الانجاب يمنح الفرد قسطاً من الثروة والمال ويعطيه درجة لاباس بها من الجاه والتقدير والاحترام ويقوي الاسرة ويعزز مكانتها الاجتماعية والاعتبارية.
هذه المعتقدات القيمية التي يحملها الفرد ازاء الانجاب تجعله يشعر بان الانجاب شيء مرغوب فيه. ومثل هذا الشعور يدفعه فعلاً الى انجاب الاطفال ،وهكذا تزداد معدلات الخصوبة السكانية نتيجة للقيم الايجابية التي يحملها الافراد تجاه الانجاب(15).
اما اذا كانت القيم سلبية نـحو الانجاب كان يعتقد الفرد بان الانجاب يسبب انخفاض المستوى الاقتصادي والمعاشي للفرد وان الانجاب عبء ثقيل على الاسرة، اذ يستنفذ الموارد المالية والمادية عند الاسرة ويجعل الاسرة فقيرة ، وان الانجاب يترك مسؤولياته الثقيلة على الاسرة بحيث لاتستطيع الاسرة تحمل ثقل الواجبات الاسرية . وهنا يكون عبء الانجاب ثقيلاً على الاسرة  فتعزف الاسرة عن الانجاب لان الاسرة تعتقد بان الانجاب يترك انعكاساته السلبية على الأسرة ككل لا سيما عندما تكون الاسرة غير مستعدة على انجاب العدد الكبير من الابناء مع تحمل مسؤولياتهم المالية والاقتصادية. وهذا ما يدفع بالاسرة الى تقليص حجم ابنائها لان للانجاب مسؤلياته المالية والاجتماعية والتربوية الثقيلة .وهكذا تكون القيم عاملاً من العوامل المشجعة او غير المشجعة على الانجاب لانها تؤثر في سلوكية المواطن وتدفعه الى زيادة الانجاب اذا كانت قيمه نـحو الانجاب ايجابية . اما اذا كانت قيم الفرد نـحو الانجاب سلبية ،فان الفرد يقلل من معدلات انجابه وبالتالي يؤثر هذا سلباً على الزيادة السكانية للمجتمع.
ثانياً: الموارد المالية عند الاسرة.
يقول العلامة ابن خلدون في كتابه المقدمة بان الازدهار الاقتصادي في المجتمع يساعد على زيادة الانجاب؛ لان الفرد المعني بالانجاب يعرف تمام المعرفة بان هناك معطيات اقتصادية تساعده على تربية ابنائه وتقويمهم ورعايتهم(16).بينما الفقر والحرمان الاقتصادي يدفع بالفرد الى تقليص عدد ابنائه لان الابناء يحتاجون الى المقومات الاقتصادية التي تدعم حياتهم وتقدم لهم الرعوية والخدمات المادية وغير المادية التي يحتاجون إليها في حياتهم اليومية والتفصيلية . وما يتعلق بالمجتمع يتعلق بالاسرة باعتبار ان الاسرة خلية حيوية من خلايا المجتمع فاذا كانت مرفهة فان المجتمع يكون مرفهاً ، وعندما يكون مرفهاً مادياً فان استعداده للانجاب يكون واسعاً.
لذا فالمعطيات المادية والمالية التي تتمتع بها الاسرة تمكنها من الانجاب لان الاسرة المرفهة اقتصادياً وتمتلك الامكانات المادية التي تشجعها على الانجاب باعتبارات الانجاب هو قناة من قنوات الرفاهية الاقتصادية للفرد والمجتمع.اما اذا كانت الاسرة تفتقر إلى الامكانات والموارد الاقتصادية فان هذا لايشجعها على الانجاب(17). وعليه فان مسألة الانجاب هي مسألة لاتتعلق بقيم الاسرة بل تتعلق ايضاً بالامكانات المادية والمالية للأسرة ايضاً. وهكذا نلاحظ بان الموارد المالية التي تكون بحوزة الاسرة تكون عاملاً دافعاً للاسرة يدفعها الى الانجاب باعتبار ان الانجاب على مستوى الامد البعيد هو سبب من اسباب الرفاهية المادية للاسرة والمجتمع.
ولكن ما مصادر الموارد المالية عند الاسرة لكي تكون مستعدة على انجاب اكبر عدد ممكن من الاطفال ؟ ان الموارد المالية للاسرة قد تنعكس في المقومات الاقتصادية الاتية:
1.  الراتب او الدخل الذي يتقاضاه افراد الاسرة نتيجة الاعمال والمهن التي يؤدونها للمجتمع.
2.  العقار والملكية غير المنقولة كالاراضي والمزارع ودور السكن والابنية والمؤسسات التي يعود مردودها المادي الى الاسر(18).
3.  الخدمات التي تقدمها اسر المجتمع للافراد والتي تستحق عليها اجوراً ورواتب يمكن ان تحسن الوضع الاقتصادي للاسرة.
4.  الهدايا والهبات التي يمكن ان تقدم للاسرة من الاقارب والاصدقاء والاشخاص المقربين لها.
5.  الاموال التي تمتلكها الاسرة التي قد تكون مودعة في المصارف والمؤسسات المالية.
جميع مصادر الدخل التي تكون بحوزة الاسرة لابد ان تدفعها الى الانجاب والانجاب يزيد من معدلات النمو السكاني،وهذه الزيادة يمكن ان تتعادل مع كفة الموارد والخيرات الطبيعية التي يمتلكها المجتمع ومثل هذا التوازن يحقق درجة من النمو والرفاهية الاقتصادية التي تصيب جميع افراد المجتمع(19).
علينا القول بان الموارد المالية الكثيرة التي تمتلكها الاسرة تكون دافعاً لها وسبباً من اسباب زيادة الانجاب والتكاثر السكاني إذ ان رفاهية الاسرة المادية تشجع ابناؤها على الانجاب في سن مبكرة ، وعليه تزداد معدلات الخصوبة السكانية ومعها يزداد السكان . اما اذا كانت الموارد المالية قليلة وغير متنوعة واحادية المصدر فان الاسرة لاتشجع على زواج ابناءها اي يكون ابناءها بدون زواج.
وهنا تقل وتنعدم الخصوبة السكانية ويتناقص السكان وتقل معدلات الولادات . وهذا يؤثر سلباً في الحالة السكانية بحيث يكون السكان اقل حجماً من الموارد الطبيعية المتاحة له. وهذه الحالة تقود الى الفقر والحرمان الاقتصادي اللذين يقودان الى وفاة عدد كبير من السكان . وهكذا تكون الموارد الحالية من حيث وفرتها او شحتها سبباً من اسباب التناقص السكاني او الزيادة السكانية التي لاتخدم اهداف التنمية القومية بشقيها الاقتصادي والاجتماعي.
ثالثاً : الزواج المبكر والانجاب.
لعل من اهم العوامل المؤثرة في العوامل الكمية للسكان عامل الزواج المبكر إذ ان علماء السكان يقولون ان الزواج المبكر هو من احد الاسباب المهمة لارتفاع الخصوبة السكانية . فكلما كان الزواج مبكراً كلما كانت معدلات الانجاب عالية وكلما كان الزواج متاخراً كانت معدلات الانجاب واطئة(20). علما بان الزواج المبكر في المجتمع يعتمد على عدة عوامل ومعطيات اهمها استعداد الشاب او الشابة على الزواج المبكر وتوفير الامكانات المادية التي تتيح المجال للشباب على الزواج ووجود الخدمات الاجتماعية والصحية والسكنية والمادية التي تشجع الشباب على الزواج.
ان الزواج المبكر يعني فيما يعني زواج الفرد في سن مبكرة يتراوح بين18-20 سنة او ربما اكثر، ومثل هذا الزواج هو مدعاة لانجاب اكبر عدد ممكن من الذرية لان الرجل او المرأة في ذلك السن من الناحية البايولوجية والتناسلية يستطيع ان ينجب عدداً كبيراً من الاطفال ، وكذلك المرأة التي تتزوج في سن مبكرة تكون خصبة من الناحية البايولوجية والتناسلية، وعليه تكون مؤهلة على انجاب الذرية بسرعة وانتظام عكس المرأة المتقدمة في السن إذ تلقى الصعوبات الجمة في الحمل والانجاب ، وعليه لاتستطيع انجاب الا عدد محدود من الذرية(21).
لذا ينصح علماء الاجتماع والسكان الشباب والشابات بالزواج في سن مبكر؛ لان هذا الزواج يتسم بالخصوبة السكانية وانجاب عدد كبير من الاطفال عكس الزواج الذي يتم في سن متأخر ، فهو لايثمر الا في انجاب عدد قليل من الاطفال او لا يتيح على الانجاب مطلقاً وذلك لصعوبة الحمل والانجاب في سن يتجاوز 35 او 40 سنة . لذا اذا اردنا زيادة عدد السكان في المجتمع العراقي ،فاننا ينبغي ان نشجع الشباب والشابات على الزواج المبكر اي الزواج الذي يقع في سن يتراوح بين 18-25سنة ، اما اذا كان الزواج بعد هذه السن فيعد نوعا من انواع الزواج المتاخر الذي يكون زواجاً لايتسم بالخصوبة السكانية، ومن العسير في هذا السن من الزواج انجاب الاطفال .بينما اذا كان الزواج مبكراً فان هذا النوع من الزواج يثمر عن انجاب عدد كبير من الذرية يفضي الى التكاثر السكاني وزيادة معدلات النمو السكاني في ذلك المجتمع.
إنَّ من فوائد الزواج المبكر انجاب الاطفال الكثيرين وتربيتهم والعناية بهم لكي يكونوا فيما بعد افراداً صالحين في المجتمع يعتمد عليهم خلال مدة تنميته الاقتصادية والاجتماعية . علماً بان الزواج المبكر خلال حقبة الامد البعيد يكون مصدراً من مصادر الثروة والرفاهية الاقتصادية؛ لانه ينتج في انجاب افراد يمكن للمجتمع الاعتماد عليهم في نهوضه الحضاري وتقدمه الاجتماعي .بينما الزواج المتاخر يسبب الزيادة القليلة للسكان او قلة السكان. علماً بان قلة السكان مع زيادة الموارد الطبيعية يسبب عدم قدرة المجتمع على النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية(22).لذا يمكن تقديم النصائح والارشادات للمجتمعات كافة بتشجيع الزواج المبكر لانه مصدر من مصادر الثروة والرفاهية والاقتصادية وعدم تشجيع الزواج المؤجل او المتاخر لانه سبب من اسباب التناقص النسبي للسكان وسبب من اسباب الركود الاقتصادي والتخلف الاجتماعي والحضاري لانه يخل بمعادلة التوازن بين معادلتي السكان والموارد الطبيعية التي يتمتع بها السكان.
رابعاً: الخدمات التي تقدمها الدولة للأسر الزواجية حديثة التكوين
اذا كانت الخدمات التي تقدمها الدولة للاسرة كثيرة ومتنوعة وذات نوعية عالية ،فان الاسر تتشجع على انجاب الابناء لانها تعرف تمام المعرفة بان هناك جهة تقدم لها المساعدات المالية والاجتماعية والتربوية والسكنية والنفسية وان عملية الانجاب تكون عملية ارادية ومخططة حيث ان الاسر تعلم بانها ليست مسؤولة عن تربية وتقويم الابناء فحسب ،بل ان هناك الدولة التي من جانبها تقدم المساعدات والخدمات التي تحتاج إليها الاسر الزواجية لاسيما الاسر التي لديها اطفال(23). اما اذا كانت الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة للاسرة قليلة ومفقودة او ذات نوعية واطئة،فان الاسرة تعزف عن انجاب الذرية لان عملية الانجاب تكون عملية مكلفة لان نفقات التربية والرعاية تكون كلها على عاتق الاسرة وليس هناك جهة تساعد الاسرة في اداء الواجبات التربوية والخدمية التي تحتاج إليها .لذا نلاحظ عزوف عدد كبير من الاسر عن الانجاب لان الانجاب والتربية والتقويم تحتاج الى خدمات متنوعة واموال باهضة لاتستطيع الاسر تحمل اعبائها(24). وهنا تعزف معظم الاسر على الانجاب او اذا انجبت اطفالاً فانها لا تنجب اكثر من طفلين في احسن الاحوال . وهذا يسبب انخفاض معدلات النمو السكاني وبالتالي عجز المجتمع عن استثمار موارده الطبيعية وبالتالي بطء حركة النمو السكاني.
ان الخدمات التي تقدمها الدولة للاسر الزواجية هي خدمات كثيرة ومتنوعة لعل اهمها رعاية الاسرة وخدمة التقاعد والضمان الاجتماعي وخدمات رعاية الاحداث ورعاية الشباب والخدمات السكنية والخدمات الصحية والخدمات الترويحية .ومثل هذه الخدمات تمكن الاسرة من العناية بابنائها ومن زيادة انجاب الاطفال لان هذه الزيادة تنتج في زيادة السكان وبالتالي قدرته على استثمار الموارد والخيرات الطبيعية وقدرته على تحمل مهام الدفاع الوطني في حالة تعرض البلد للعدوان الخارجي او في حالة اضطراب الأمن الداخلي(25).
ووللسكان أثر كبير في احلال الأمن والنظام في الداخل والقيام بمهام الدفاع الخارجي عندما يتعرض الوطن للعدوان .
ان الخدمات التي تقدمها الدولة للأسرة الزواجية تكون على انواع كثيرة منها تقديم المعونة المالية للأسر المستحقة ومنح الأسر الأراضي السكنية او البيوت الجاهزة مجاناً او باسعار الكلفة مع منح الأسرالأمتيازات والمكافآت بين حينٍ وآخر لكي تتمكن من تلبية وسد حاجاتها . فالأسر الفقيرة تعرف تمام المعرفة بان هناك جهة يمكن ان تقدم لها المساعدات المالية او العينية او الأعتبارية، ومثل هذه المساعدات تعينها على اشباع حاجاتها وحل مشكلاتها الآنية والمستقبلية مع تمكينها من التكييف للبيئة التي تعيش فيها وتتفاعل معها.
 خامساً : التقليد والمحاكاة
يعد عامل التقليد والمحاكاة من اهم العوامل التي تؤثر في السلوك البشري اليومي والتفصيلي وقد اكد على أثر هذا العامل في تنظيم السلوك البشري والعلاقات الأنسانية عالم الأجتماع الفرنسي جبرئيل تارد عندما قال في كتابه الموسوم بـ(قوانين التقليد) بان عامل التقليد يساعد الأفراد والجماعات على بلورة ونشر العادة الدارجة في المجتمع، إذ ان التقليد يكون بمثابة العدوى الأجتماعية التي تنتقل انتقالاً سريعاً من فردالى آخر او من جماعة الى جماعة اخرى(26).
فعندما تنجب الأسرة عددا كبيرا من الأطفال وهذه الأسرة تكون ناجحة في المجتمع وتحظى باحترام الجميع فان سلوكها الأنجابي سرعان ما تقلده مئات او الآلآف من الأسر ، ومثل هذا التقليد يجعل جميع اسر المجتمع اسراً كبيرة تنجب عدداً كبيراً من الأطفال . هذا الأنجاب كان نتيجة للتقليد والمحاكاة ، بمعنى آخر ان الأسر الكبيرة التي انجبت في السابق عدداً كبيراً من الأطفال سرعان ما تقلدها العديد من الأسر فتكون هذه الأسر ذات حجوم كبية لانها عدّت الأسرة الكبيرة التي قلدتها مثالاً تحتذى به من قبلها ومن قبل بقية الأسر في المجتمع.وهذه الظاهرة اي ظاهرة التقليد والمحاكاة في الانجاب وزيادة الذرية يكون سبباً مهما ًمن اسباب التنمية الكمية للسكان(27).وهكذا يكون العامل التقليد والمحاكاة الدور الفاعل في الزيادة السكانية.
ولو لا التقليد والمحاكاة هذه فيما يتعلق بموضوع الانجاب لما استطاع المجتمع ان يحصل على الزيادة السكانية إذ ان التقليد كان عاملاً دافعاً للكثير من الاسر على الانجاب إذ ان الاسر كبيرة الحجم نتيجة زيادة معدلات الولادات قد تكون اسراً مثالية يمكن ان تقلدها مئات الاسر التي تعيش بجانبها حيث ان السلوك الانجابي سرعان ما يقلد وينتشر في المجتمع انتشار النار في الهشيم .

المبحث الرابع:
التوصيات لتسريع ظاهرة التنمية الكمية للسكان في العراق.
هناك العديد من التوصيات التي يمكن ان تسجل في هذا المبحث لتسريع ظاهرة التنمية الكمية للسكان في العراق،ومن هذه التوصيات ما ياتي:
1.  حث الشباب والشابات على الزواج المبكر؛ لان الزواج المبكر هو سبب من اسباب التنمية الكمية للسكان،ولكننا لا نستطيع ان نشجع الشباب على الزواج المبكر دون التوصية بازالة الموانع والعراقيل التي تحول دون الزواج المبكر ومن هذه العراقيل تكاليف الزواج الباهظة وفرض الشروط التعجيزية على الرجل من المرأة، وهذه الشروط التي تجعل الرجل غير قادر على الزواج بسبب التكاليف الباهظة للزواج. وبسبب الشروط والمطاليب الصعبة التي فرضت عليه من المرأة التي يريد الزواج منها او من قبل اسرتها.
2.  حل مشكلات تاخر سن الزواج عند الشباب والشابات إذ ان هناك مؤشرات تدلل على تاخر سن الزواج عند الشاب او الشابة ومثل هذا التاخير لا يساعد على الانجاب ويحول دون كثرة عدد السكان في المجتمع.
3.  نشر القيم الاجتماعية التي تشجع على الزواج والزواج المبكر بين الافراد والجماعات ،ومثل هذه القيم يمكن نشرها بين الشباب عن طريق التوعية والتثقيف وعن طريق وسائل الاعلام الجماهيرية وعن طريق مكاتب البحث الاجتماعي والرعاية الاجتماعية.
4.  مبادرة الدولة بتاسيس ونشر العديد من المؤسسات الخدمية والترفيهية التي يمكن تقديمها الى الاسر الزواجية حديثة التكوين حيث ان مثل هذه الخدمات الاجتماعية تساعد على الزواج والانجاب .والخدمات هذه هي خدمات صحية وسكنية وثقافية وتربوية، فضلاً عن خدمات الرعاية الاجتماعية والخدمات الترويحية.
5.  زيادة الموارد المالية للاسرة عن طريق زيادة معدلات دخولها وتنوع هذه الدخول بحيث لا تكون من مصدر واحد بل من مصادر مختلفة. وهذه الموارد المالية المتنوعة تكون بحوزة الاسرة انما تساعدها على زواج ابنائها في سن مبكرة.
6.  مبادرة الدولة والقادة المسؤولين على منح مكافأت تشجيعية للشباب تشجعهم على الزواج وتسد بعض تكاليف الزواج التي لايستطيع الشباب تغطيتها لان مواردهم المالية محدودة او معدومة.
الخلاصات والاستنتاجات:
يهدف هذا البحث الى دراسة ما هية العوامل الاجتماعية المسؤولة عن التنمية الكمية للسكان في العراق حيث ان حضور هذه العوامل يساعد على النمو السكاني السريع،بينما غيابها ينتج  تلكؤ النمو السكاني .وعليه اصبح لزاماً على المجتمع تهيئة العوامل الاجتماعية المسؤولة عن التنمية الكمية للسكان .وهذه العوامل حددها البحث بنقاط:
1.  القيم الاجتماعية.
2.  الموارد المالية عند الاسرة.
3.  الزواج المبكر والانجاب.
4.  الخدمات التي تقدمها الدولة للاسر الزواجية.
5.  التقليد والمحاكاة.
وبعد استعراض هذه العوامل الاجتماعية المسؤولة عن الانجاب وشروطها، فان البحث طرح بعض التوصيات لتسريع ظاهرة التنمية الكمية للسكان في العراق .فاذا اخذ المسؤولون بهذه التوصيات فان سكان العراق لابد ان يزداد عن طريق الزيادة الطبيعية للسكان وهي زيادة عدد الولادات على عدد الوفيات. علماً بان التنمية الكمية للسكان في العراق تساعد على استثمار الموارد الطبيعية الموجودة في المجتمع وتحويلها من شكلها غير النافع الى سلع رأسمالية واستهلاكية تساعد على اشباع حاجات المستهلكين فضلاً عن أثر التنمية الكمية للسكان في تهيئة القوى البشرية المؤهلة على تحقيق الامن الوطني عن طريق مواجهة القلاقل والاظطرابات في الداخل ومواجهة العدوان الخارجي الذي قد يتعرض له العراق.

مصادر البحث
1.  الحسن، احسان محمد (الدكتور). علم الاجتماع: دراسة نظامية ،بغداد،مطبعة الجامعة،1976،ص256.
2.  م. ن، ص270.

3. Hanson, J.L. Applied Economics, London, Macdonald, 1983, P39.
4.  Towensend, P. Population Growth, London, Evans Press, 1969, P11.
5.  بوتول، جاستون، الحرب والمجتمع، ترجمة عباس الشربيني، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، 1986، ص72.
6.  Rao, C.N. Sociology, New Delhi, Chand Co. 2000, P631.
7.  غيث، د. محمد عاطف، البيئة والسكان، الاسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1992، ص56.
8.  المقدم بسام العسلي، الحرب والحضارة، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات ولنشر، 1979، ص195.

9.  Hicks, M.F. The Social Framework, London, the Crescent press,1968, P30.
10.  Ibid, P.32.
11.  Ibid, P.33.
12.  Hanson, J.L. A Texbook of Economic, London, Evans press, 1991, P65.

13.  الحسن، د. إحسان محمد، التصنيع وتغيير المجتمع، بغداد دار الشؤون الثقافية، 1992، ص57.
14.  عبد المعطي، د. السيد، علم الاجتماع الحضري والسكان، القاهرة، مطبعة مصر الجديدة، 1989، ص23.
15.  م. ن، ص46.
16.  ابن خلدون، المقدمة، بيروت دار القلم، 1974، ص169.
17.  محمد، د. محمد علي، الموارد البشرية في المجتمع المصري، دار الكتب الجامعية، لاسكندرية، 1988، ص33.

18.  Paish, Frank, Family Finance, London,1981, P11.
19.  Ibid, P.13.
20.  Townsend, P. Population Trends in Britain, London, The Strand Press, 1986, P12.
21.  Ibid, P.14.
22.  Lewis, A. Population and Economic Development, London, George Allen, 1965, P51.

23.  الحسن، د. إحسان محمد، الانجاب والأمن السكاني، بغداد، مطبعة المعارف، 1993، ص88.
24.  م. ن، ص89.
25.  م.ن، ص91.

26.  Tarde, G. The Laws of Lmitation, London, the legacy.
27.  Ibid, P.81.

 http://www.madarik.org/mag3/16.htm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق