21‏/11‏/2016

د.عبدالمجيد حميد الكبيسي:التربية السكانية (Population Education )




يعرّف مصطلح السكان  بأنه : " مجموعة الافراد الذين يعيشون في زمان ومكان معيّنين تربطهم علاقـــــــات اجتماعية". (وزارة التربية,1996:ص1) . ويشمل هذا المصطلح الانسان بمحيطه الاجتماعي والثقافي والبيئي ودوره في التنمية والتطور ، وليس العيش المجرد فقط في بقعة جغرافية واحدة.

وبالمقابل فأن مصطلح التربية كما يعرفه الخطيب " يعني التنشئة والنهوض والاصلاح واظهار القوى ، وتتوجه نحو الانسان والمجتمع والثقافة والتراث والايديولوجية" . (الخطيب،1992:ص15) وهي بمعنى اعم نشاط كلي يؤثر في تكوين الفرد, وأداة ديمومة الحياة, ووظيفتها نقل تراث المجتمع،وتوجيه طاقاته وتكيفه الاجتماعي . والذي يؤكد هذا المنحى إن مؤسسات التربية مطالبة بإلحاح إضافة إلى الوضع الراهن, إن تواجه المستقبل بكل أنواع تحدياته مواجهة واعية مسؤولة, وبأسلوب علمي متخطّ للصعوبات والمعوقات التي تعترض سبيله . ومن ابرز الأولويات هي مسايرة متطلبات الثورة العلمية والتكنولوجية, ومستلزمات التقدم السريع في العلوم كافة والتي زحفت تقنياتها على نحو واسع إلى ميدان التربية لتصبح وسيلة من وسائلها من ناحية, واللحاق بالعصر وتطّوراته وابعاده المستقبلية من الناحية الاخرى .(السعيد,2004:ص1-3)
  وقد اكدت الدراسات العلمية ان ارتباط السكان مع التربية يعكس علاقة قوية بين المتغيرات السكانية والمتغيرات التربوية، وفسرت ان هذه العلاقة ولدت مع خلق الانسان وزوجه، ومابثّ منهما بعد ذلك - بتدرج زماني ومكاني- رجالا كثير ونساءا ، حيث تحكم هذه العلاقة اطر فلسفية لعوامل تأريخية واقتصادية واجتماعية ذات تفاعلات معقدة ، انعكست تماما على ثقافة الشعوب .

فعلى سبيل المثال عرف المصريون القدامى في حضارة وادي النيل قضية تنظيم النسل وهي واضحة في آثارهم لحد الآن .(عقلة،1983:ص83)

الحضارات القديمة :اليونان ، الرومان ، الصينيون ، العرب ، تناولت الحجم المناسب للسكان في الحرب والسلم ، وادارة الدولة ، والموارد .... (.(UN,1973:pp.33,34)
البلدان الاوربية في اواخر القرن السابع عشر الميلادي دعت الى تحديد النسل وكان ابرز الديموغرافين المتشائمين آنذاك مالثوس .وقد رد عليه الديموغرافيون المتفآئلون بالعديد من وجهات النظر المتنوعة في جدال دائم ومتصاعد.

المسلمون القدامى في صدر الاسلام اعتنوا بالقضايا السكانية التي أولاها الاسلام اهتماما خاصا ، ومنها تنظيم السلوك الانجابي للبشر على وفق نصوص القران الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ،التي تحث على الكثرة النوعية للمسلمين.

علماء المسلمين في العصر الحالي يؤكدون" إن القوة العددية من النعم التي يمن بها الله على الناس ، ومما يفخر بها المفاخرون ، ويخوف بها المتربصون ... ولكن مما ينازع فيه أن الإسلام لا يريد كثرة كغثاء السيل ، بل يريد الكم والكيف معاً ، فإذا ما تعارضا فالكيف مقدم على الكم ، ولكن لا ينبغي لتنظيم النسل أن يكون فلسفة للدولة تجبر عليها الناس جميعاً ( القرضاوي ، 1987م، ص26) . والمهم جدا ان يكون كل ذلك في الحدود التي رسمها القران العظيم والسنة النبوية المطهرة .

وعلى اية حال فأن مصطلح التربية السكانية بمعناه العلمي ولد قبل اربعة عقود من الزمن: وهويشهد تطورا مفاهيميا ملحوظا في المجال الآكاديمي زمانيا ومكانيا ، وعلى الصعيدين الوطني والعالمي.

وتعني التربية السكانية ببساطة تعليم السكان قضايا السكان ،ويمكن التعبير عنها بأنها جهد مقصود يهدف الى صنع الفرد المتنور سكانيا ، والمتمكّن علميا وتربويا، والمتفاعل اجتماعيا. فهي مفهوم يصف الجهود والانشطة المبذولة من قبل النظام التربوي لجعل السكان- من جميع الاعمار- على يقظة وحذر من التغيرات السكانية وعواقبها على الحياة والمجتمع ، بوصفها جزءا من العمليات الاجتماعية على النطاقين المدرسي واللامدرسي .وتتضمن التربية السكانية نقل الوعي بالمشكلات السكانية على الصعيد العالمي والاقليمي الى مستوى يمكّن الفرد والمجتمع في آن واحد من مواجهة التحديات الديموغرافية بكل انماطها .

يعرف Sikes,1993 التربية السكانية تعريفا متطورا بأنها :"عملية مساعدة الناس , لفهم طبيعة اسباب العملية السكانية، وتداعياتها ، وتأثيرها وتأثرها بوساطة الافراد والاسروالمجتمعات المحلية والوطن,وتركزعلى قرارات الفرد والاسرة فيما يخص التبدل السكاني عند المستوى المصغر ، فضلا عن المستوى الديموغرافي الواسع " . ( p.12: Sikes,1993 )

وتعرف التربية السكانية وطنيا : بأنها جهد تربوي, يهدف الى توعية المتعلّمين بالظاهرات السكانية وعلاقتها بالموارد المتاحة , لاتخاذ مواقف رشيدة ومسؤولة حيال تلك الظاهرات, بما يخدم التنمية الشاملة في القطر, ويساعد على تحسين نوعية الحياة للفرد والاسرة والمجتمع ،وهذا هو التعريف المعمول به حاليا في أكثر من قطر عربي .

ويرى خضور،2007 انه بوسعنا وصف التربية السكانية بأنها عملية تربوية, تستهدف التأثير على الإدراك والقرارات والسلوك في القضايا المرتبطة بالسكان . كما انها تتعدى أن تكون إشارة عرضية للظاهرة السكانية في قاعة الدرس من خلال عملية التكيف الاجتماعي, بل انها تتطلب تحليلا نقديا لظواهر السكان, مع إعطاء انتباه خاص لآسبابها ونتائجها .(خضور،2007 :ص310)

ويستخلص الباحث ،2009 تعريفا للتربية السكانية التي تتم داخل المدرسة –وهو تعريف يجمع بين كم السكان ونوع الانسان- على وفق الصيغة الآتية:

" التربية السكانية المدرسية عملية تربوية شاملة, تهدف الى توعية المدرسين - وبالتالي طلبتهم ثم جمهور السكان- بالوضع السكاني السائد, وتطوير معارفهم ومهاراتهم, وتكوين اتجاهات ايجابية لديهم نحو التنمية الشاملة وعلاقتها بالسكان والموارد والبيئة، والصحة الانجابية، والنوع الاجتماعي . واتخاذ قرارات قيميّة مستنيرة وفق السياسة السكانية للبلد والسياسة التربوية له, وذلك من اجل تحسين حاضر نوعية الحياة البشرية ومستقبلها على مستوى الفرد، والاسرة ، والمجتمع ".(الكبيسي،2009:ص20 )

ونستطيع ايجاز اهمية التربية السكانية بما يأتي :

- تساعد الافراد على تحديد طبيعة المشكلات التي لها علاقة بالسكان.

- تساعدهم على اتخاذ قرارات واعية ورشيدة ازاء القضايا السكانية , وفهم نتائج قراراتهم واعمالهم على نحو افضل.

- تساعدهم على إدراك العلاقة المتبادلة بين التقدم الاقتصادي والاجتماعي ودينامية السكان واثر القرارات التي يتخذونها على التنمية وبالعكس.

- إسهامها في التجديد التربوي في اختيار مضامين تربوية لها اهميتها في حياة الافراد وتطوير طرائق التدريس.

وفي هذا المعترك فأن خلاصة معظم الدراسات في الادب التربوي السكاني التي شملت العالم برمته ، تتفق على أهمية التربية السكانية اعلاه, وضرورة تطويرها وفقا لسياقات علمية أو نظم محدّدة, وعلى وجود ضعف معرفي في الوعي بقضاياها الحيوية . (الكبيسي،2009:ص195-223)

كما ان الإطار ألمفاهيمي للتربية السكانية قد تطوّر عبر العقود الأربعة الماضية (1970- 2009), وهو بحاجة مستمرة إلى أغنائه بالبحث والدراسة والعمل وما يتعلّق به من تقويم وتعديل .

فضلا عن ان تحليل المحتوى اوضح عدم كفاية الكتب المدرسية - وخصوصا كتب الجغرافية ومناهجها- لمضامين التربية السكانية.

وفي هذا السياق فان الهدف المركزي للتربية السكانية هو تحسين حاضر نوعية الحياة ومستقبلها . ولأجل تحقيق هذا الهدف ينبغي تمكين المتعلّمين من الحصول على المعارف,والمهارات، والاتجاهات ، الضرورية اللازمة لفهم وتقييم الوضع القائم في المجال السكاني والعوامل المؤثرة فيه ,وذلك على صعيد الفرد , والأسرة , والمجتمع , والبلد , والعالم , ثم اتخاذ القرارات العقلانية والقيام بالسلوك المناسب.

واخيرا تعد التربية السكانية ضرورة بالغة الاهمية ، سواء للبلد الذي يرغب في زيادة سكانه او ثباتهم اوعكس ذلك ، فهي مفهوم يستقي فحواه من مباديء وقيم المجتمع وفلسفته التربوية والاقتصادية والاجتماعية زمانيا ومكانيا.

وعلى ضوء ذلك يتضح ان طبيعة التربية السكانية بوصفها استجابة تربوية متعدّدة الاختصاصات ومندمجة في بنية محتويات المواد والوحدات الحاملة,تتطلب استخدام ادوات تقويمية تعنى بوجه خاص - إضافة إلى جانب المعارف والمهارات- بالجانب الوجداني الاجتماعي لارتباطه القوي بمنهجية القضايا السكانية واهدافها, أي ادوات تقيس تغير الاتجاهات والمواقف ودرجة التطبّع ،والمنحى السلوكي المتوقّع مستقبلا ان يسلكه المتعلّم في الحياة تجاه القضايا السكانية والصحية والإنمائية....وان يتم كل ذلك وفق النظم القيمية والاخلاقية للمجتمع .



المصادر 

القران الكريم

1. التويجري, عبد العزيز بن عثمان, 2003, دليل الايسيسكو لإدماج الصحة الإنجابية والنوع الاجتماعي في منهاج التربية الإسلامية, منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة, الرباط , المغرب.

2. (القرضاوي ، 1987م:ص26)، بواسطة موقع د. عائشة الأحمدي www.dr-aalahmadi.com/ .

3. خضور, يوسف, 2007, دراسات في التربية البيئية والسكانية, جامعة البعث، كلية التربية ، مديرية الكتب والمطبوعات, دمشق, سوريا .

4. الخطيب, محمد بن شحات, 1992, دور التربية البيئية في تحقيق التكامل بين البيئة والتنمية في أقطار مجلس التعاون بالخليج العربي ,ندوة البيئة والتنمية, الرياض المملكة العربية السعودية.

5. 5. السعيد, رضا مسعد, 2004, آليات البحث التربوي الخطة والمنظومية, في المؤتمر الرابع للمدخل المنظومي في التدريس والتعليم, دار الضيافة, جامعة عين شمس 3-4 ابريل, القاهرة, مصر.
6. (عقلة،1983:ص83 ) ، بواسطة موقع د. عائشة الأحمدي . ) www.dr-aalahmadi.com (

7.الكبيسي، عبدالمجيد حميد ثامر،2011، مفاهيم التربية السكانية ومهارات تدريسها والأتجاهات نحوها لدى مدرسي التعليم الثانوي، اطروحة دكتوراه غير منشورة ، الأكآديمية العليا للدراسات العلمية والأنسانية، قسم العلوم التربوية والنفسية، بغداد، العراق.


8.   الكبيسي، عبدالمجيد حميد ثامر ،2011، التربية السكانية : المفاهيم - الاهداف – المحتوى-منحى النظم- المنهجية- التقويم ، ط1،ط2 ،مكتبة المجتمع العربي للطباعة والنشر والتوزيع ،عمان ، الاردن.
 9 .وزارة التربية ,1996, التربية البيئية والسكانية في طرائق تدريس العلوم لدور المعلمين السنة الأولى والثانية, وزارة التربية, سوريا .

10. الكبيسي، عبدالمجيد حميد ثامر،2014، النظم والمنظومية رؤى تربوية، دار الإعصار العلمي ومكتبة المجتمع العربي ،عمان ، الاردن.

11. Sikes .O.J., 1993, Reconeptualization of Population Education,. 9United Nation Population Information Network "POPIN", UN Population Division, Department of Economic and Social Affairs, with UNFPA, New York, USA.

12.UN, 1973, The Determinants and Consequences of Population. 10. Trends,2. New Summary of Findings on Interaction of Demographic, Economic and Social Factors, Vol. 1, UNITED Nation, New York .-------------------------------------------------------------------------------------

د.عبدالمجيد حميد الكبيسي / الاكاديمية العليا للدراسات العلمية والانسانية / بغداد/ العراق

د.عبدالمجيد حميد الكبيسي:التربية السكانية (Population Education )












يعرّف مصطلح السكان  بأنه : " مجموعة الافراد الذين يعيشون في زمان ومكان معيّنين تربطهم علاقـــــــات اجتماعية". (وزارة التربية,1996:ص1) . ويشمل هذا المصطلح الانسان بمحيطه الاجتماعي والثقافي والبيئي ودوره في التنمية والتطور ، وليس العيش المجرد فقط في بقعة جغرافية واحدة.

وبالمقابل فأن مصطلح التربية كما يعرفه الخطيب " يعني التنشئة والنهوض والاصلاح واظهار القوى ، وتتوجه نحو الانسان والمجتمع والثقافة والتراث والايديولوجية" . (الخطيب،1992:ص15) وهي بمعنى اعم نشاط كلي يؤثر في تكوين الفرد, وأداة ديمومة الحياة, ووظيفتها نقل تراث المجتمع،وتوجيه طاقاته وتكيفه الاجتماعي . والذي يؤكد هذا المنحى إن مؤسسات التربية مطالبة بإلحاح إضافة إلى الوضع الراهن, إن تواجه المستقبل بكل أنواع تحدياته مواجهة واعية مسؤولة, وبأسلوب علمي متخطّ للصعوبات والمعوقات التي تعترض سبيله . ومن ابرز الأولويات هي مسايرة متطلبات الثورة العلمية والتكنولوجية, ومستلزمات التقدم السريع في العلوم كافة والتي زحفت تقنياتها على نحو واسع إلى ميدان التربية لتصبح وسيلة من وسائلها من ناحية, واللحاق بالعصر وتطّوراته وابعاده المستقبلية من الناحية الاخرى .(السعيد,2004:ص1-3)
  وقد اكدت الدراسات العلمية ان ارتباط السكان مع التربية يعكس علاقة قوية بين المتغيرات السكانية والمتغيرات التربوية، وفسرت ان هذه العلاقة ولدت مع خلق الانسان وزوجه، ومابثّ منهما بعد ذلك - بتدرج زماني ومكاني- رجالا كثير ونساءا ، حيث تحكم هذه العلاقة اطر فلسفية لعوامل تأريخية واقتصادية واجتماعية ذات تفاعلات معقدة ، انعكست تماما على ثقافة الشعوب .

فعلى سبيل المثال عرف المصريون القدامى في حضارة وادي النيل قضية تنظيم النسل وهي واضحة في آثارهم لحد الآن .(عقلة،1983:ص83)

الحضارات القديمة :اليونان ، الرومان ، الصينيون ، العرب ، تناولت الحجم المناسب للسكان في الحرب والسلم ، وادارة الدولة ، والموارد .... (.(UN,1973:pp.33,34)
البلدان الاوربية في اواخر القرن السابع عشر الميلادي دعت الى تحديد النسل وكان ابرز الديموغرافين المتشائمين آنذاك مالثوس .وقد رد عليه الديموغرافيون المتفآئلون بالعديد من وجهات النظر المتنوعة في جدال دائم ومتصاعد.

المسلمون القدامى في صدر الاسلام اعتنوا بالقضايا السكانية التي أولاها الاسلام اهتماما خاصا ، ومنها تنظيم السلوك الانجابي للبشر على وفق نصوص القران الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ،التي تحث على الكثرة النوعية للمسلمين.

علماء المسلمين في العصر الحالي يؤكدون" إن القوة العددية من النعم التي يمن بها الله على الناس ، ومما يفخر بها المفاخرون ، ويخوف بها المتربصون ... ولكن مما ينازع فيه أن الإسلام لا يريد كثرة كغثاء السيل ، بل يريد الكم والكيف معاً ، فإذا ما تعارضا فالكيف مقدم على الكم ، ولكن لا ينبغي لتنظيم النسل أن يكون فلسفة للدولة تجبر عليها الناس جميعاً ( القرضاوي ، 1987م، ص26) . والمهم جدا ان يكون كل ذلك في الحدود التي رسمها القران العظيم والسنة النبوية المطهرة .

وعلى اية حال فأن مصطلح التربية السكانية بمعناه العلمي ولد قبل اربعة عقود من الزمن: وهويشهد تطورا مفاهيميا ملحوظا في المجال الآكاديمي زمانيا ومكانيا ، وعلى الصعيدين الوطني والعالمي.

وتعني التربية السكانية ببساطة تعليم السكان قضايا السكان ،ويمكن التعبير عنها بأنها جهد مقصود يهدف الى صنع الفرد المتنور سكانيا ، والمتمكّن علميا وتربويا، والمتفاعل اجتماعيا. فهي مفهوم يصف الجهود والانشطة المبذولة من قبل النظام التربوي لجعل السكان- من جميع الاعمار- على يقظة وحذر من التغيرات السكانية وعواقبها على الحياة والمجتمع ، بوصفها جزءا من العمليات الاجتماعية على النطاقين المدرسي واللامدرسي .وتتضمن التربية السكانية نقل الوعي بالمشكلات السكانية على الصعيد العالمي والاقليمي الى مستوى يمكّن الفرد والمجتمع في آن واحد من مواجهة التحديات الديموغرافية بكل انماطها .

يعرف Sikes,1993 التربية السكانية تعريفا متطورا بأنها :"عملية مساعدة الناس , لفهم طبيعة اسباب العملية السكانية، وتداعياتها ، وتأثيرها وتأثرها بوساطة الافراد والاسروالمجتمعات المحلية والوطن,وتركزعلى قرارات الفرد والاسرة فيما يخص التبدل السكاني عند المستوى المصغر ، فضلا عن المستوى الديموغرافي الواسع " . ( p.12: Sikes,1993 )

وتعرف التربية السكانية وطنيا : بأنها جهد تربوي, يهدف الى توعية المتعلّمين بالظاهرات السكانية وعلاقتها بالموارد المتاحة , لاتخاذ مواقف رشيدة ومسؤولة حيال تلك الظاهرات, بما يخدم التنمية الشاملة في القطر, ويساعد على تحسين نوعية الحياة للفرد والاسرة والمجتمع ،وهذا هو التعريف المعمول به حاليا في أكثر من قطر عربي .

ويرى خضور،2007 انه بوسعنا وصف التربية السكانية بأنها عملية تربوية, تستهدف التأثير على الإدراك والقرارات والسلوك في القضايا المرتبطة بالسكان . كما انها تتعدى أن تكون إشارة عرضية للظاهرة السكانية في قاعة الدرس من خلال عملية التكيف الاجتماعي, بل انها تتطلب تحليلا نقديا لظواهر السكان, مع إعطاء انتباه خاص لآسبابها ونتائجها .(خضور،2007 :ص310)

ويستخلص الباحث ،2009 تعريفا للتربية السكانية التي تتم داخل المدرسة –وهو تعريف يجمع بين كم السكان ونوع الانسان- على وفق الصيغة الآتية:

" التربية السكانية المدرسية عملية تربوية شاملة, تهدف الى توعية المدرسين - وبالتالي طلبتهم ثم جمهور السكان- بالوضع السكاني السائد, وتطوير معارفهم ومهاراتهم, وتكوين اتجاهات ايجابية لديهم نحو التنمية الشاملة وعلاقتها بالسكان والموارد والبيئة، والصحة الانجابية، والنوع الاجتماعي . واتخاذ قرارات قيميّة مستنيرة وفق السياسة السكانية للبلد والسياسة التربوية له, وذلك من اجل تحسين حاضر نوعية الحياة البشرية ومستقبلها على مستوى الفرد، والاسرة ، والمجتمع ".(الكبيسي،2009:ص20 )

ونستطيع ايجاز اهمية التربية السكانية بما يأتي :

- تساعد الافراد على تحديد طبيعة المشكلات التي لها علاقة بالسكان.

- تساعدهم على اتخاذ قرارات واعية ورشيدة ازاء القضايا السكانية , وفهم نتائج قراراتهم واعمالهم على نحو افضل.

- تساعدهم على إدراك العلاقة المتبادلة بين التقدم الاقتصادي والاجتماعي ودينامية السكان واثر القرارات التي يتخذونها على التنمية وبالعكس.

- إسهامها في التجديد التربوي في اختيار مضامين تربوية لها اهميتها في حياة الافراد وتطوير طرائق التدريس.

وفي هذا المعترك فأن خلاصة معظم الدراسات في الادب التربوي السكاني التي شملت العالم برمته ، تتفق على أهمية التربية السكانية اعلاه, وضرورة تطويرها وفقا لسياقات علمية أو نظم محدّدة, وعلى وجود ضعف معرفي في الوعي بقضاياها الحيوية . (الكبيسي،2009:ص195-223)

كما ان الإطار ألمفاهيمي للتربية السكانية قد تطوّر عبر العقود الأربعة الماضية (1970- 2009), وهو بحاجة مستمرة إلى أغنائه بالبحث والدراسة والعمل وما يتعلّق به من تقويم وتعديل .

فضلا عن ان تحليل المحتوى اوضح عدم كفاية الكتب المدرسية - وخصوصا كتب الجغرافية ومناهجها- لمضامين التربية السكانية.

وفي هذا السياق فان الهدف المركزي للتربية السكانية هو تحسين حاضر نوعية الحياة ومستقبلها . ولأجل تحقيق هذا الهدف ينبغي تمكين المتعلّمين من الحصول على المعارف,والمهارات، والاتجاهات ، الضرورية اللازمة لفهم وتقييم الوضع القائم في المجال السكاني والعوامل المؤثرة فيه ,وذلك على صعيد الفرد , والأسرة , والمجتمع , والبلد , والعالم , ثم اتخاذ القرارات العقلانية والقيام بالسلوك المناسب.

واخيرا تعد التربية السكانية ضرورة بالغة الاهمية ، سواء للبلد الذي يرغب في زيادة سكانه او ثباتهم اوعكس ذلك ، فهي مفهوم يستقي فحواه من مباديء وقيم المجتمع وفلسفته التربوية والاقتصادية والاجتماعية زمانيا ومكانيا.

وعلى ضوء ذلك يتضح ان طبيعة التربية السكانية بوصفها استجابة تربوية متعدّدة الاختصاصات ومندمجة في بنية محتويات المواد والوحدات الحاملة,تتطلب استخدام ادوات تقويمية تعنى بوجه خاص - إضافة إلى جانب المعارف والمهارات- بالجانب الوجداني الاجتماعي لارتباطه القوي بمنهجية القضايا السكانية واهدافها, أي ادوات تقيس تغير الاتجاهات والمواقف ودرجة التطبّع ،والمنحى السلوكي المتوقّع مستقبلا ان يسلكه المتعلّم في الحياة تجاه القضايا السكانية والصحية والإنمائية....وان يتم كل ذلك وفق النظم القيمية والاخلاقية للمجتمع .



المصادر 

القران الكريم

1. التويجري, عبد العزيز بن عثمان, 2003, دليل الايسيسكو لإدماج الصحة الإنجابية والنوع الاجتماعي في منهاج التربية الإسلامية, منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة, الرباط , المغرب.

2. (القرضاوي ، 1987م:ص26)، بواسطة موقع د. عائشة الأحمدي www.dr-aalahmadi.com/ .

3. خضور, يوسف, 2007, دراسات في التربية البيئية والسكانية, جامعة البعث، كلية التربية ، مديرية الكتب والمطبوعات, دمشق, سوريا .

4. الخطيب, محمد بن شحات, 1992, دور التربية البيئية في تحقيق التكامل بين البيئة والتنمية في أقطار مجلس التعاون بالخليج العربي ,ندوة البيئة والتنمية, الرياض المملكة العربية السعودية.

5. 5. السعيد, رضا مسعد, 2004, آليات البحث التربوي الخطة والمنظومية, في المؤتمر الرابع للمدخل المنظومي في التدريس والتعليم, دار الضيافة, جامعة عين شمس 3-4 ابريل, القاهرة, مصر.
6. (عقلة،1983:ص83 ) ، بواسطة موقع د. عائشة الأحمدي . ) www.dr-aalahmadi.com (

7.الكبيسي، عبدالمجيد حميد ثامر،2011، مفاهيم التربية السكانية ومهارات تدريسها والأتجاهات نحوها لدى مدرسي التعليم الثانوي، اطروحة دكتوراه غير منشورة ، الأكآديمية العليا للدراسات العلمية والأنسانية، قسم العلوم التربوية والنفسية، بغداد، العراق.


8.   الكبيسي، عبدالمجيد حميد ثامر ،2011، التربية السكانية : المفاهيم - الاهداف – المحتوى-منحى النظم- المنهجية- التقويم ، ط1،ط2 ،مكتبة المجتمع العربي للطباعة والنشر والتوزيع ،عمان ، الاردن.
 9 .وزارة التربية ,1996, التربية البيئية والسكانية في طرائق تدريس العلوم لدور المعلمين السنة الأولى والثانية, وزارة التربية, سوريا .

10. الكبيسي، عبدالمجيد حميد ثامر،2014، النظم والمنظومية رؤى تربوية، دار الإعصار العلمي ومكتبة المجتمع العربي ،عمان ، الاردن.

11. Sikes .O.J., 1993, Reconeptualization of Population Education,. 9United Nation Population Information Network "POPIN", UN Population Division, Department of Economic and Social Affairs, with UNFPA, New York, USA.

12.UN, 1973, The Determinants and Consequences of Population. 10. Trends,2. New Summary of Findings on Interaction of Demographic, Economic and Social Factors, Vol. 1, UNITED Nation, New York .-------------------------------------------------------------------------------------

د.عبدالمجيد حميد الكبيسي / الاكاديمية العليا للدراسات العلمية والانسانية / بغداد/ العراق

17‏/11‏/2016

د.عبدالمجيد حميد الكبيسي : نظرة عامة الى القضايا البيئية


نظرة عامة الى القضايا البيئية


د.عبدالمجيد حميد الكبيسي
مقدمة الى ندوة التلوث البيئي المقامة على قاعة التدريب التربوي
 في المديرية العامة لتربية الأنبار بتأريخ 20/6/2003

تعاملت البشرية منذ اول وجودها على احترام الطبيعة والتعامل معها بكل رفق وانسجام وتبادل منفعة، الى درجة ان الانسان ( بحكم ضعف إدراكه) كان يعبد الطبيعة، إذ كانت الاديان الاولى ( الوضعية ) تقدسها، وتمارس طقوس عبادة الشمس والنار والماء وغيرها، وقد عمل الانسان على محاولة تفسير وتنظيم علاقته الروحية مع الطبيعة المسؤولة من وجهة نظره عن حياته وموته، وذلك من اجل الاستفادة من خيراتها وتجنب غضبها , ونتيجة لذلك نشأت اولى الحضارات التي استمدت قوتها من عوامل الطبيعة كتوفر مصادر المياه والتربة الصالحة للزراعة والمصادر الطبيعية للغذاء ( النباتية والحيوانية ) والصيد والاستفادة من المصدر، وكيفية تجنب الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزلازل والحرائق من خلال نشوء المجتمعات الاولى وتنظيم الزراعة وانشاء السدود. ومع تطور الزمن والحضارة تدرجت العبادات بالانفصال عن الطبيعة المجردة لتصل الى الارتباط بالسماء والفكر المطلق. 
واستمرت هذه العلاقة الوطيدة بين الانسان ومحيطه وتطورت الى الاستفادة من العلاقة المتبادلة مع الاحياء الاخرى ، وذلك من خلال استغلال المفيد وتجنب الضار حتى وصل الانسان الى عصر الثورة الصناعية (التي اعتمدت على موارد الطبيعة وتوظيفها لخدمة الانسان) وما صاحبها من انتاج هائل للمكائن والمعدات وتصنيع المواد الكيميائية المختلفة وانتاج المبيدات لمكافحة الافات والسيطرة على الامراض.
وبعد فترة ليست بالطويلة ظهرت النتائج السلبية كظهور حالات مرضية يصعب السيطرة عليها مهددة لصحة الانسان، او مؤثرة على موارده الطبيعية ومصادر غذائه ، و كان هذا بسبب انبعاث الغازات الصناعية وتدفق الفضلات السائلة وطرح الفضلات الصلبة الى مختلف الاوساط البيئية ( الهواء , الماء , التربة )، الامر الذي دعى الانسان الى ان يقف وقفة المراجعة والمتأمل في ذلك ، مما حدا به الى وضع شروط صارمة ومحددات بيئية للتقليل من تاثيرات التلوث والمحافظة على تنوع الاحياء ومحاولة العودة للطبيعة .
ففى عصر ما قبل التاريخ كان مفهوم النظام البيئى يعتبر الارض هى البيئة التى يعيش فيها الانسان وغيره من الكائنات الحية النباتية والحيوانية ويؤثر فيها ويتأثر بها. وفى أواخر القرن الـ 19 وأوائل  الـ20 حدث تطور فى النواحى الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية نتيجة تقدم الزراعة والصناعة ووسائل النقل والمواصلات ،وبذلك أصبح الانسان سيدا مهماً في البيئة  إذ غدا مفهوم النظام البيئي يشمل مجموعة العناصر التي تتكون منها البيئة وتؤثر في بعضها البعض , وهو نظام بيئي مفتوح تدخله العناصر في صورة محددة وتخرج منه في صور أخرى .
لذلك تعتبر  مثلاً مشكلة إنتاج الفضلات ورميها – التخلص منها- سواء أكانت غازية أم سائلة أم صلبة أو على شكل ضوضاء من المشاكل التي تتداخل عندها المعارف البيئية . وستبقى مستويات السيطرة على التلوث والأدوات الإدارية المعتمدة لهذا الغرض غير مجدية ما لم يكن العلم وسيلتها.
فالتلوث يعد من المشاكل الكبيرة التي يواجهها الإنسان المعاصر. لا بل وأخطرها . وهي بحاجة إلى تظافر الجهود كافة لمعالجتها والحد منها . ومما يزيد المشكلة تعقيداً إن للإنسان نفسه الدور الواضح في زيادة خطورتها من خلال نشاطاته المختلفة التي أصبحت تهدد الحياة البشرية . فضلاً عن تأثيرها في الكائنات الحية الأخرى مما يحدث تغيرا في التوازن الطبيعي للبيئة ومكوناتها المختلفة الحية منها وغير الحية.   
وللتلوث مصادر ومكونات عديدة منتشرة في البيئة وعدم مراقبتها ومتابعتها تؤدي إلى تفشي التلوث بنطاق واسع ، فعلى سبيل المثال : يعتبر تلوث الهواء  في العراق من اخطر انواع التلوث والذي بلغ اشده في السنوات الاخيرة بسبب الحروب ومخلفاتها والعنف المستمر. كذلك خطورة تلوث المياه بسبب النفايات الزراعية اليها من المعامل ومن جهات اخرى وتأثيراتها على صحة الإنسان  وانتشار الامراض المختلفة في انواعها والتي اصبحت تصيب الإنسان  في عمر مبكر وتؤدي إلى هلاكه بشكل مختلف عما كان في السابق، وذلك كله من جراء التلوث البيئي بكل انواعه.

أن ذلك يتطلب وجوب الإهتمام  بأوضاع المجتمع (كجزء من معاناة المجتمعات الدولية بشكل عام) وحماية البيئة من مصادر ومكونات التلوث بشتى انواعه، وحماية الهواء من التلوث بمنع ما ينفث من المعامل أولاً، وإيقاف عملية استخدام الوسائط التي تضر البيئة في كافة إنحاء العالم، والسيطرة على المياه وحجز الملوثات المتأتية من المعامل وعدم السماح لها بالوصول إلى المياه، وإنشاء شبكات أنابيب احدث من الأنواع الموجودة حالياً، وإضافة المعقمات ( المنسجمة مع البيئة) ، وتوفير الخدمات الصحية اللازمة ..