06‏/11‏/2009

د.عبدالمجيد حميد ثامر الكبيسي: الظاهرة السكانية والمشكلة السكانية






  د.عبدالمجيد حميد ثامر الكبيسي:
                        الظاهرة السكانية والمشكلة السكانية


بسم الله الرحمن الرحيم


{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿155﴾ } (البقرة،155)
صدق الله العظيم



الظاهرة والمشكلة:
تنتج الظاهرة من تراكم حدث معين ،أو تكراره بانتظام । والظاهرة مصطلح حيادي بالأساس ، فقد تكون سلبية وقد تكون ايجابية بحسب وجهة نظر المراقب .

في المجال الأجتماعي مثلا: تعرف الظاهرة الاجتماعية بأنها اساليب للتفكير وقوالب العمل الملزمة للآفراد ،او هي النظم الأجتماعية والقواعد والأتجاهات العامة التي يشترك بأتباعها افراد المجتمع كأساس لتنظيم حياتهم العامة وتنسيق علاقاتهم.

وتعد الظاهرة نسبية بحكم ظروف انتاجها وظروف التحكم بها ، فما يمكن تصنيفه كظاهرة اجتماعية مقبولة في مجتمع ما قد تكون مرفوضة في غيره .

وقد قرر ابن خلدون بأن دراسة ظواهر الاجتماع لابد فيه من إخضاعها للقوانين، باحثا عن مدى الارتباط بين الأسباب والمسببات، ولم يكتف بالوصف وعرض الوقائع وبيان ما هي عليه، وإنما اتجه اتجاهاً جديداً في بحوثه الاجتماعية، جعله يعلن بصراحة أن التطور هو سنة الحياة الاجتماعية، وذلك لأن الظواهر الاجتماعية غير قابلة للركود والدوام على حالة واحدة، ومن ثَمّ كانت الأنظمة الاجتماعية متباينة حسب المكان والزمان.(المقهوي،2009: ص1)

اما المشكلة فأنها قضية غامضة- موقف متأزم- تتطلب الحل ، فالمشكلة حالة يشعر فيها الفرد بعدم التأكد والحيرة أوالجهل ويحمل مصطلح المشكلة حكما قيميا سلبيا من حيث تأثيره على افراد المجتمع تأثيرا غير مرغوب فيه .

ولكي يكون الموقف مشكلة لابد من توافر ثلاثة عناصر :

● هدف يسعى اليه .
● صعوبة تحول دون تحقيق الهدف .

● رغبة في التغلّب على الصعوبة عن طريق نشاط معين يقوم به الأفراد .
( الكبيسي,2006:ص67)

ان كل ظاهرة ليست بالضرورة مشكلة ، ولكن كل مشكلة هي ظاهرة . فالمشكلة الاجتماعية هي ظاهرة اجتماعية عندما يبرزها تكرارها عن الاطار الطبيعي لوقوعها في المجتمع من ناحية ، وارتباطها بالمعايير والقيم الاجتماعية والاخلاقية والثقافية السائدة من ناحية اخرى.


الظاهرة السكانية والمشكلة السكانية :

في كل الأحوال,عندما نحاول وصف الحقائق الاساسية حول ظاهرة « السكان » فإننا نواجه مجموعة متشابكة من العلاقات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي توجّه المجتمع كافة, ومنها تلك الروابط القائمة بين الفرد والمجتمع, ففي الإمكان تناول الحدث نفسه من زاوية الجزء - الفرد- أو من زاوية الكل - المجتمع- اذ يشكل التفاعل بينهما جانبا متميزا للظواهر السكانية। (اسكوا,2007أ:ص7)




ان الظاهرة السكانية تبقى ظاهرة . ولكنها تتحول الى مشكلة عندما تختل التوازنات، فالمشكلة السكانية تعبيرعن خلل وانعدام التوازن بين السكان والموارد، ينجم عنه تدن في مستوى رفاهية الافراد والخدمات المقدمّة اليهم في الأطر التنموية وغيرها .(المركز الديموغرافي،1978 : ص4)


" ومع ظهور مصطلح المشكلة السكانية ظهرت تعابير مختلفة تقيس العلاقة بين السكان والموارد هي : الافتقار السكاني، الاكتظاظ السكاني، أنسب السكان، حيث يعبر الافتقار السكاني والاكتظاظ السكاني عن وجود مشكلة سكانية، في حين يعبر مصطلح انسب السكان عن انعدام المشكلة السكانية او غيابها" . (الاحمدي، 2009:ص167)


ولاتقتصرالمشكلة السكانية على كونها تزايدا سريعا للسكان في ضوء بطء النمو الاقتصادي فقط، بل تتعداها الى جوانب اخرى ترتبط بالنمو والحجم والتركيب والهجرة، بل انها تمس جميع جوانب متغيرات دينامية السكان، والنتائج التي تترتب عليها، وينبغي النظر اليها من خلال هذه الجوانب على نحو متكامل .



كما ان المشكلة السكانية قد تظهر بعكس ذلك عند هبوط عدد السكان، وما يصاحبه من انخفاض قوة العمل، والعجز عن تلبية احتياجات النمو الاقتصادي مثلما حدث مثلا في السويد وامريكيا في بدايات القرن العشرين . (الاحمدي، 2009:ص167)

وتمارس المميزات العامّة للسكان : عددهم, جنسهم, اعمارهم, توزيعهم الجغرافي .....الخ اثرها المباشر على مختلف مناحي الحياة : إنتاج الغذاء, السلع والخدمات وتوزيعها, الشروط الصحية, تأمين الخدمات التربوية والاجتماعية, نوعية البيئة ....الخ . وبالعكس تؤثر ظروف الحياة القائمة في المجتمع على القرارات السكانية التي يتخذها الأفراد والأسر, والمجموعات الصغيرة التي ينتمون اليها (يونسكو,1986:ص12).

وهنا تظهر ضرورة توافر اسباب وجود عمل تربوي سكاني على صعيد المجتمع ككل, يتيح للمواطنين اتخاذ القرارات المدروسة وبالتالي خلق روابط بين النظرية والتطبيق (UN,2004a:pp.28-31) . وهذا العمل هو ما اصطلح عليه منذ اربعة عقود تحت عنوان –التربية السكانية- .

وبهذا تمثل المشكلة السكانية اولوية ملحة في القضايا الوطنية لأي بلد، وهي احد الهموم الرئيسية للنظام التعليمي، لما يمتلكه هذا النظام من امكانيات كبيرة في تشكيل الوعي الواسع وايجاد اتجاهات ايجابية نحوها،وفي مقدمتها مساعدة المدرسين والمربين على فهم ادوارهم التربوية والمعرفية والتنويرية تجاه القضايا السكانية، وبالتالي حسن أداءهم لتلك الادوار بما يحقق اهداف التنمية الشاملة.(المصباحي،2004:ص171)

إن مبرر وجود التربية السكانية إذاً, أن نجعل من حاجات المتعلمين وعائلاتهم, ومن معاناتهم الاجتماعية وبيئتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية, نقطة انطلاقها ونهايتها في أن واحد . وهكذا يتحمل قطاع التربية, مسؤولية العمل في مجالات التربية السكانية وديناميكية السكان, من حيث علاقتهما بالتخطيط التربوي, وما يتصل به من بحث ودراسة وعمل في إطارالتنمية المتكاملة اجتماعيا واقتصاديا وبيئيا..

ومن هنا كان لزاما على أي عمل تربوي - مثل التربية السكانية- يهدف إلى تغيير محتويات التعليم وطرائقه ان ترافقه إجراءات غايتها اعداد المعلمين/ المدرسين لمثل هذه التغيرات , سواء على مستوى التأهيل قبل الخدمة, أو على مستوى التدريب اثناء الخدمة, وذلك من خلال تأثر برامج التأهيل والتدريب ببعض العوامل في البلد المعني وبنظامه التربوي ومؤسساته.

وبذلك تفرض حالة تعليمية موضوعية ما امكن يقدّم فيه المربّي للمتعلّم مجموعة من الوقائع والقيم التي تسمح له بتقدير تشكيلة الاختيارات المتاحة,وذلك وفق الفلسفة التربوية للدولة, والسياسة السكانية الخاصّة بها, ولمختلف المراحل الدراسية, لان الكفايات المطلوبة من المربّي تحظى بأهمية كبرى في التربية السكانية , وهي تشكل هدفا مهمّا يجب بلوغه .


المصادر

1. الأحمدي, عائشة سيف, 2007, قضايا التربية السكانية : مستوى المعرفة والاتجاهات لدى معلمات التعليم العام بالمدينة المنورة, اطروحة دكتوراه غير منشورة, كلية المعلمين, جامعة طيبة, المدينة المنورة, المملكة العربية السعودية .

2. الأحمدي, عائشة سيف, 2009 ، هل معرفتهن معقولة؟ او اتجاهاتهن مقبولة؟ المعلمات السعوديات وقضايا التربية السكانية ، في مجلة المعرفة ، العدد 167 في 18/1/2009 ، وزارة التربية والتعليم ، السعودية.

3. 2007أسكوا،2007 ,إدماج التحولات الديموغرافية في خطط وبرامج التنمية, تقرير اجتماع فريق الخبراء حول مناقشة إطار إقليمي يساعد على إدماج التحولات الديموغرافية في خطط وبرامج التنمية عمان 3,4 نيسان(ابريل)2007,المجلس الاقتصادي والاجتماعي / اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا(اسكوا)الأمم المتحدة, نيويورك .

4. الكبيسي، عبدالواحد حميد ثامر،2006، اساليب التعليم ومهاراته في ضوء القران الكريم والسنة النبوية الشريفة، اصدارات جامعة الانبار/مركزطرائق التدريس، الانبار ،العراق.

5. الكبيسي،عبدالمجيد حميد ثامر ،2009، مفاهيم التربية السكانية ومهارات تدريسها والأتجاهات نحوها لدى مدرسي التعليم الثانوي، اطروحة دكتوراه غير منشورة ، الأكآديمية العليا للدراسات العلمية والأنسانية، قسم العلوم التربوية والنفسية، بغداد، العراق.

6। المركز الديموغرافي في القاهرة، 1978،السكان والتعليم في العراق ، ورقة عمل مقدمة من قبل الباحث عبدالمجيد حميد ثامر الكبيسي الى الحلقة الدراسية حول التخطيط الأقليمي والسكان المنعقدة في مقر الجمعية الجغرافية المصرية للفترة من 1-8/10/1978، القاهرة، مصر.




7الكبيسي،عبدالمجيد حميد،2010، التربية السكانية (المفاهيم ،الاهداف،المحتوى، منحى النظم، المنهجية، التقويم) ، مكتبة 

المجتمع العربي للطباعة والنشر والتوزيع، الاردن ،عمان .
8المصباحي ، عبدالوهاب ، 2004 ، التربية السكانية –المحور الخامس- ، في الكتاب المرجعي في التربية السكانية ، منشورات وزارة التربية والتعليم ، صنعاْْْْء ، اليمن.

9المقهوي، محمد سالم ،2009، الظواهر والمشكلات : دراسة اجتماعية ، مشروع دراسة وخدمة تنمية المجتمع،الادارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة العسير ،السعودية. على موقع الانترنيت الآتي :
www.scoutup.net/up/scoutup_1402909637.doc .

10يونسكو ,1986, إعداد المعلمين في مجال التربية السكانية, دليل عملي, منشورات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة UNESCO , مطابع اليونسكو, باريس, فرنســـــا .

11
UN, 2004a, World Population Monitoring 2003-Populuation, Education and Development, UN, Department of Economic and Social Affairs Population Division, New York .


                                                                                  


د.عبدالمجيد حميد الكبيسي / الأكآديمية العليا للدراسات العلمية والأنسانية/بغداد/العراق .
/المديرية العامة للتربية في محافظة الانبار/مدير الاعداد والتدريب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق